أجر الخيرين

TT

كان الكاتب الكبير مصطفى امين يخصص احيانا زاويته اليومية لنشر اسماء المتبرعين لمؤسسة «ليلة القدر» التي اقامها، ومع الاسماء ارقام التبرع، وقلت له مرة، هل تعتقد ان الآلاف الذين يقرأونك، يهتمون بقراءة الاسماء بدل ان يقرأوا «فكرتك» التي اعتادوا عليها ؟ واجاب، بكل بساطة: «لا ادري ماذا يحبون ان يقرأوا. لكنني اعرف ان هذا اجمل ما احب ان اكتب».

جاء الى تمضية عيد الفطر في بيروت صديق سعودي مع عائلته. وقال لي، لن نمضي العيد وحدنا. نريد ان تبحث معنا عن الايتام الفلسطينيين لكي يشاركونا فرحة العيد. ورحنا نبحث عن دار للايتام الفلسطينيين فلم نجد. وقلت للصديق، سوف نتصل بدار الايتام الاسلامية التي يرأسها صديقي الدكتور فاروق جبر. وكان فاروق مسافراً. وتحدثت الى لولب الدار محمد بركات وعرضت عليه الأمر. فقال ان في الدار 450 يتيماً فلسطينياً من اصل 2000. وان الدولة اللبنانية تتكفل 25% من تكاليف الايتام اللبنانيين لكن الفلسطينيين يتكلون فقط على التبرعات. وابلغت صديقي بالأمر. وقال انه يريد ان يقسم التزامه الى قسمين: الاول بمعايدة 2000 يتيم في هذا العيد والثاني التزام دائم بالايتام الفلسطينيين في الدار بكامل عددهم.

وبعد ايام اتصلت بي المديرة في دار الايتام وفاء البابا، تشكرني وتقول: «الساعي الى الخير كفاعله». وقلت لها، يا ليت، فلم يكن لي حتى شرف السعي، الصديق هو الذي سعى وهو الذي تبرع. ولكن ثمة سعادة كبرى في انني ساعدت على الاقل في البحث.

قبل فترة انشئ في بيروت مجمّع تجاري ضخم ورائع الجمال، تجمعني بصاحبه صداقة قديمة. وبرغم ابتعادي المطلق عن التجارة او اي معرفة بها، فانني التقي الصديق في مكتبه مرة كل اسبوع عندما اكون في بيروت منذ سنوات كثيرة. وفي هذا اللقاء نتحدث في امور كثيرة ومتشعبة ولكننا لا نأتي مرة واحدة على ذكر التجارة او العمل التجاري او اي شيء من هذا القبيل. وقد عرف عن الرجل انه من كبار فاعلي الخير في لبنان. وذات مرة كان يروي كيف ان المجمَّع اصبح ملتقى الناس من كل الطوائف والمناطق. وقال لي كيف نعيد توزيع نسبة من ارباحنا على المحتاجين؟ وقلت له، الامر بسيط. تأخذ النسبة التي تريد التبرع بها، وتوزعها بالتساوي على دار الايتام الاسلامية من جهة، وعلى «مطاعم المحبة» التي يؤمنها الوزير ميشال اده للفقراء من جهة اخرى. ففي كل جانب من هذه الحياة فقراء واغنياء. والخيرون اجرهم في الارض وفي السماء.