هلال.. ووجهة «نظر»!

TT

الجدل الموسمي حول دخول شهر رمضان وانقضائه يبين لنا جوانب مهمة في تباين قراءة الفقه والرخص الشرعية المتاحة للمسلمين. واليوم يعتمد المسلمون في صلواتهم على مواعيد مقننة حسابيا بالعلم الفلكي، فلا نرى الناس تخرج لقياس الظل، وتقدير الفلق والشفق، ومعرفة الزوال.

فاليوم تمكن الفريق الأغلب من العالم الإسلامي من استخدام ما وهبنا الله من علم للصالح العام. وباتت الصلاة، وهي عماد الدين، تقنن حسابيا وفلكيا. والقراءة الضيقة النصية الظاهرية لحديث رسول الهدى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (صوموا لرؤيته) يمكن الاجتهاد بشأنها، فكلمة رؤيته في الهدي النبوي يجب أن تكون أشمل وأوسع من التفسير البشري المحدود بأن المقصود هو النظر بالعين فقط. فالرؤية هي أيضا فلك وحساب ويدعم ذلك قول الحق عز وجل في كتابه المبين «وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا»، «هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون»، «والشمس والقمر بحسبان». وهكذا يظهر لنا الله سبحانه وتعالى العلم بعدد السنين والحساب والقدرة الإلهية العظيمة للتفصيل.

العلم الفلكي حسم رؤية الهلال مبكرا هذا العام، وفي أكثر من مكان في العالم الإسلامي وفي دول مجاورة ملاصقة للسعودية كان عيدها الأحد بينما كان عيد السعودية السبت بناء على رؤية الهلال «وهو الذي لم يظهر وكان عليه لغط وجدل».

والعجيب أن هذه الدول تتفق فيما بينها على شهور السنة كلها ومواقيت الصلاة وفروق التوقيت فيها بينها من شروق ومن زوال، ولكن دوما يظهر الخلاف فيما يخص هلال شهر رمضان المبارك، والتمنع الهائل في استخدام العلم والتقنية الحديثة المصاحبة لذلك.

ولعل المثال الصريح والواضح للمعنى بذلك هو الحملة التلفزيونية والإعلامية العالمية الهائلة المصاحبة لأحداث خسوف القمر وكسوف الشمس ومن ثم إقامة الصلوات المخصصة لذلك في البلاد الإسلامية. فما المانع أن يصاحب وقت الإعلان عن تحري رؤية هلال رمضان موكب تلفزيوني من أكثر من موقع في السعودية حتى تكون رؤية الهلال حدثا مسجلا مثله مثل كسوف الشمس وخسوف القمر والمناسبات الأخرى الهامة.

هناك حل علمي حاسم للجدل الذي يحصل في شأن قراءة وقت هلال رمضان، وهذا العلم يؤخذ به في جزئية الصلاة «وهي الفريضة الأهم» ولكن لا يؤخذ به في شأن الصيام.

باب العلم، وهو المنحة الإلهية العظيمة، مفتوح لمن يريد الدخول فيه «هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون». كل الأمل أن يكون لدينا في السعودية القدرة على إجراء تقييم شامل لشأن الرؤية الفلكية للأهلة. فأهل الفقه يجب أن تكون لديهم القدرة والاستعداد للتعامل مع أهل الفلك وأهل الطب وأهل الاقتصاد وأهل كافة العلوم لخدمة ديننا الحنيف حتى لا نقع أسرى بين دفات كتب صفراء فقط ونحجر العقول ونغلق القلوب. الدين أيسر وأجمل وأرحب وأوسع بكثير مما يروج به. وكل الأمل بأن نتمكن من أن «نرى» ذلك.