القصة غير المروية عن العراق

TT

هنالك قصة لم ترو بعد عن العراق، وقد استكملت كتابة آخر فصولها في نهاية الأسبوع الماضي حينما وافق الدائنون في نادي باريس على شطب 80% من الديون الخارجية الرسمية للعراق المستحقة لأعضاء النادي. وكما قال الرئيس بوش، فإن الاتفاق يمثل مساهمة دولية كبيرة للعملية المستمرة، من أجل إعادة إعمار العراق سياسيا واقتصاديا. لكن هناك المزيد الذي يمكن قوله عن النجاح الاقتصادي في العراق، هناك الكثير جدا مما يمكن قوله.

ففي عام 1979، كان مستوى معيشة الفرد في العراق يساوي مثيله في إيطاليا. لكن عند سقوط نظام حكم صدام حسين كان إجمالي الناتج المحلي في العراق قد تدنى وأصبح مماثلا للناتج المحلي لأي دولة نامية آلت إلى الفقر، وأصبح العراق أكثر الدول المثقلة بأعباء الديون في العالم. هذا الميراث المقيت، الذي ضاعفه وضع أمني خطير، مثَّل عقبات كبرى أمام التنمية الاقتصادية.

ورغم تلك المشاكل، فإن العراقيين يواصلون مثابرتهم ودأبهم ويحققون النجاح، فالسياسات العراقية جعلت زيادة الناتج الاقتصادي ممكنة التحقيق خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2004، فارتفع بنسبة 51.7% عما كان عليه في عام 2003. ومن المتوقع أن يكون نصيب الفرد من الدخل القومي 780 دولارا في 2004، وهو ما يمثل زيادة عما كان عليه في 2003، إذ كان 500 دولار فحسب.

والى ذلك أعلنت الحكومة العراقية عن خطة اقتصادية متينة متوسطة الأجل، فيما أبقى البنك المركزي المستقل الجديد على معدل التضخم تحت المراقبة، مع ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 5.7% فحسب خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2004، مقارنة بارتفاعه بنسبة 46% في 2003. وفي المقابل ارتفعت قيمة الدينار العراقي الجديد بـنسبة 27% إزاء سعر الصرف، مقابل قيمة الدولار الأميركي خلال العام الماضي.

وفي المقابل، وفي الوقت نفسه، تقوم وزارة البترول العراقية بعمل رائع من أجل إعادة الإنتاج، برغم الهجمات المستمرة على البنية الأساسية لصناعة البترول. وفي سبتمبر (أيلول) 2004 بلغ متوسط إنتاج العراق من البترول الخام 2.54 بليون برميل يوميا، وهو ما يساوي معدل الإنتاج قبل الحرب.

وتعمل الحكومة العراقية جاهدة لإعادة دمج اقتصاد البلاد في الاقتصاد الدولي. وبين الإشارات هنا حصول العراق على وضع مراقب في منظمة التجارة العالمية في فبراير (شباط) 2004، فيما يوالي اتخاذ أولى الخطوات نحو حصوله على العضوية الكاملة بالمنظمة.

أضف الى ذلك أن الحكومة العراقية، وبعد شهور من المفاوضات المتعمقة، وقعت في سبتمبر 2004، اتفاقا مع صندوق النقد الدولي بقيمة 436 مليون دولار. وهذا الاتفاق هو أول تفاعل يجري بين العراق والصندوق خلال عشرين عاما، وهو دليل على أن السياسة الاقتصادية للعراق تسير على الدرب الصحيح.

في المقابل لنا أن نقف مع إعادة إعمار العراق، والتي تحظى بتأييد دولي واسع النطاق يشمل الأمم المتحدة، ومجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى، والدول الرئيسية المانحة للعراق التي تعهدت في مدريد عام 2003 ،بتقديم منح وقروض له تقدر بـ14 بليون دولار، بالإضافة إلى 18 بليون دولار أخرى تعهدت بها الولايات المتحدة. وهذا المستوى الاستثنائي للمساعدات إنما هو إدراك للإمكانيات الاقتصادية الكامنة للعراق واعتراف بأهميته الإقليمية.

ولي أن أذكر هنا أنني كنت في سبتمبر، رئيسا لوفد أميركي شارك في اجتماعات اللجنة الاقتصادية المشتركة مع نظراء من العراق في بغداد. وقد عدت من الاجتماعات وأنا شديد الإعجاب بخبرة العراقيين ومدى التزامهم. إن التقدم الاقتصادي الذي حققه العراقيون حتى الآن، في ظل ظروف صعبة للغاية، يشهد بكفاءتهم وشجاعتهم، وهذا ما ثبتت صحته بصفة خاصة بالنسبة لأعضاء الحكومة العراقية الجديدة، رجالا ونساء، الذين يتعرضون لمخاطر شخصية كبيرة، ومع ذلك فهم يعكفون على مواصلة وضع تصورهم لتحقيق الحرية والديمقراطية للعراق.

ومع ذلك، فالعراق ما زال في حاجة للمساعدة، خاصة من الدول الصناعية. ومثل هذه المساعدة يجب أن تتضمن دعما لعمليات الأمن، وهي أساسية لتحقيق النجاح على المدى القريب والمتوسط والبعيد، بالإضافة إلى إعادة الإعمار والاستثمارات. وإلى ذلك فسيتم الترحيب بالمساعدة من الدول المتقدمة، بشكل خاص، في الوقت الراهن، فيما تقوم الحكومة العراقية بتمهيد الطريق لأول انتخابات ديمقراطية في البلاد يوم 30 يناير (كانون الثاني). وكما قال نائب رئيس الوزراء العراقي برهم صالح في مؤتمر الجهات المانحة بطوكيو في أكتوبر (تشرين الأول)، فإن المساعدة ليست تبرعات خيرية، إنما هي استثمار في مستقبل أفضل لبلد يقع في منطقة حيوية.

* وكيل وزارة الخارجية الأميركية

للشؤون الاقتصادية والتجارية والزراعة

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»