صناديق فارغة في الرياض

TT

وصف تقرير صحافي يوما في حياة قاعات تسجيل الانتخاب لأول مرة في المملكة العربية السعودية. يقول ان كراسيها ظلت فارغة الا من العاملين في هيئة الانتخاب الذين يتثاءبون بملل من انتظار طوابير الديموقراطيين الموعودة التي لم تحدث. لماذا لم يزدحم الناس عند ابواب التسجيل، ولم تبع ولم تشتر الاصوات، ولم يجرح أحد او يسجن آخر؟

لماذا لم تصدق توقعات الذين قالوا إن الانتخاب حالة تفريغ كبت سياسية، وكل ما تحتاج اليه هو رفع غطاء القدر لتعبر عن نفسها؟ ها هي الابواب مفتوحة على مصراعيها حيث ينتظر المنظمون المدعوين، مستعدين لهم بالبطاقات والاقلام والمياه الباردة، الذين ارادوا ان يمنحوا التصويت شيئا من الكرم المحلي بما جادت به امكانياتهم.

الإقبال ضعيف لأن الانتخاب عادة دخيلة على البلاد، وستحتاج الى وقت حتى يتم توطينها. أيضا، التسجيل للتصويت ليس اجباريا على الناس وبالتالي لن يضطروا الى التدافع لتسجيل اسمائهم. ولأن التصويت ليس مشروعا مربحا مثل سوق الاسهم، التي دخلها نحو مليون متعامل جديد في هذا العام وحده، فلن تمتلئ صالات الاقتراع كما تزدحم كل يوم قاعات البنوك. اما لماذا لا تثير الانتخابات الحماس فلنتذكر انها لم تأت عقب تحديات حتى يحتفل الناس بمكسبهم ويعلنوا عن انتصارهم.

وحتى نفهم حالة اللامبالاة بشكل اقرب يمكننا ان ننظر الى الملاعب الضخمة التي تتعارك فيها الأندية بحضور جمهور قليل لا تسمع تصفيقه الا بمساعدة مكبرات الصوت. فهل اصاب الناس الضجر ولم يعد يثير اهتمامهم شيء؟ لا، فالناس تأكل الغداء مع السياسة، ولها رأي في كل موضوع. غالبا تفعل كل ذلك باسلوبها التقليدي حيث تفضل ان تتحلق حول التلفزيون تشاهد المباريات في بيوتها او في المقاهي المجاورة بأقل قدر من الحماس للسير بعيدا. انها حالة لا مبالاة يزيد في تثبيطها جهل الاكثرية باصول الانتخاب، والجهل بالمرشحين، وبقضاياهم. ولكونها تجربة جديدة على الاجيال الحالية فانها ستستغرق وقتا حتى تبني نفسها وتصبح فعالة في الساحة السياسية، وسيأتي يوم تصبح فيه الطوابير طويلة لا ترى نهاياتها، وستكون ممتعة ومشوقة وحضارية، تطرح من خلالها افكار لحل قضايا الناس، وتردد انتقاداتهم، وتفعل حوارات لا تمل حول الصح والخطأ في العمل السياسي.

المهم ان تبدأ تجربة الانتخاب وتمر بشكل سليم طالما انها لم تفرز احدى حالتين، اندفاع انتقامي شعبي او تزوير حكومي، كلاهما ينتهي عادة بانتكاسة.

[email protected]