شبهات حول السموأل

TT

إن مزدكية أسرة امرئ القيس ـ يا صديقنا الاسكندراني ـ لم تستمر إلا أعواما قليلة وليس من ريحها في شعره الكثير، بل فيه ما ينقض المزدكية التي تحرم قتل الطير والحيوان، وامرئ القيس يخرج يوميا والطير في وكناتها، ولا لذة له غير الصيد لقنص الظباء، سواء كن من ذوات الاربع او ممن يتبخترن على اثنتين، ولا يكتمل الصيد عنده الا بحصان ما تزال الطريقة التي صور بها جريه تفتن الألباب.

أما تهمة اليهودية، فجاءته بسبب حلفه مع السموأل بن عادياء، الذي حل ضيفا عليه في تيماء وهو في طريقه الى القيصر، وأودع عنده وهو يرحل عنه مجموعة من دروعه وأسلحته. والغريب في أمر لويس شيخو انه يجعل السموأل ايضا على دين النصرانية، مع وجود شبه اجماع على يهوديته.

وسيتحول السموأل بعد امرئ القيس الى اسطورة عربية للوفاء، فقد طلب الحارث الغساني دروع الشاعر، فرفض السموأل تسليمها الا الى ورثة صاحبها، فحاصره في حصنه الابلق وأسر ابنه وذبحه أمامه، لكنه لم يتراجع عن موقفه من قضية الدروع التي صارت قصة مثيرة.

ومع حسن حبك خيوط هذه القصة، التي حولت أحد المرابين المعروفين الى رمز للوفاء، إلا أن بعض الباحثين الأجانب يشككون في وجود شخصية السموأل ذاتها ومن هؤلاء ـ وينكلر ـ الذي يرى في شبهاته المنطقية أن اليهود أخذوا مادة أسطورة السموأل من أسفار صموئيل الأول، وخلطوها بحكايات عربية يمنية قديمة من ايام التبابعة، الى ان استوت بشكلها الحالي المعروف في التراث العربي.

واذا كانت الشخصية موضوعة لأغراض تحسين سمعة اليهود في جزيرة العرب، فلا بد ان تكون القصائد المنسوبة اليها موضوعة ايضا، لكن هذا الحكم سرعان ما ينهار، حين نعرف أن نفطويه جمع للسموأل ديوانا كاملا، وحين نكتشف ابنا للسموأل اسمه شريح زاره الأعشى ومدحه، فهل تم اختراع الابن بعد اختراع الاب..؟

المهم ان اقتران اسم امرؤ القيس بالسموأل جعل البعض يظنون انه كان يهودي الديانة، ثم قامت على ذلك قرينة أخرى مصدرها ابن خلدون، الذي ينص في المقدمة على أن معظم حمير كانت على دين اليهودية.

واذا كانت اليهودية في حمير، وهم أصل كندة، فإن النصرانية كانت كثيفة الحضور في بني تغلب وربيعة، وهؤلاء أخوال امرئ القيس، فأمه حسب بعض الروايات فاطمة شقيقة الزير سالم وكليب، وكان الأخير لا يحتاج الى حدود وسدود ليحدد أملاكه، بل كان يكتفي، كما يقول معاصروه، بحمل جرو صغير في حضنه فإن أعجبته ارض اطلق كليب جروه يعدو وكل مكان يصله نباحه، يدخل فورا في أملاك سيده، فانظر الى حالة عرب كبار كانوا لا يمانعون من الرضوخ لنباح جرو صغير.

وغير الأخوال، وما قيل عن ان امرئ القيس أعلن تنصره بحضور القيصر، فإن التأثيرات النصرانية في شعره أكثر من غيرها، والابيات التي يذكر فيها الرهبان والأديرة وطقوسهما بالعشرات، واذا كان من السهل نفي مزدكية امرئ القيس ويهوديته، فإن تنصره يظل من الاشكاليات العالقة.

ومهما كانت مزاعم الكرملي وشيخو، فإن الجانب الوثني في قصائد الملك الضليل، يظل هو الأقوى، وهو المصدر الخصب لكل من يريد التعمق من خلال الشعر الجاهلي في فهم تركيبة المناخ الأسطوري للجزيرة العربية.