الإنسان الحيوان

TT

في أحد متاحف التاريخ الطبيعي، توجد صور، وشروحات، ووثائق، لكل المخلوقات التي أمكن الوصول إلى توقعها ابتداءً من أكبر كائن حي منقرض وهو (الديناصور)، إلى أصغر نملة تدب على سطح هذه الأرض بنشاط عجيب.

وأخذ أحد السياح يلف في أرجاء ذلك المتحف، إلى أن وصل إلى لافتة كتب عليها: هنا صورة لحيوان ثديي هو أكثر تلك الأنواع عدداً على وجه الأرض، وهو حيوان خطر، ويعد سوء استغلاله لموارد العالم، وعدم السيطرة على تكاثره خطراً يهدد كل المخلوقات الحية. وبعد أن قرأ السائح تلك اللافتة رفع بصره لكي يشاهد ذلك الحيوان الخطير، فلم يشاهد سوى نفسه في مرآة كبيرة رفعت فوق تلك اللافتة.. طبعاً ضحك من ذلك «المقلب»، أو «النكتة»، ولكنه في الواقع نسي انه يضحك من تاريخ البشرية كله، دون أن يدري.

نعم انه هو ذلك الحيوان ولا شيء قبله، ولا بعده، ولا غيره.. ذلك الذي يستطيع أن يأكل حتى لو كان شبعان، ويشرب حتى لو كان رويان، ويبتسم حتى لو كان زعلان، ويجامع ويتناسل في كل الأوقات، ومن الممكن لذلك الحيوان أن يقتل حتى لو كان يعرف أن الله حق، ومن الممكن أن يظلم حتى لو رأى الدمع يجري من المآقي انهاراً، ومن الممكن له أن يقلب الدنيا عاليها على سافلها من اجل أن يجلس وحده على الكرسي الهزاز.

هذا هو الحيوان الإنسان، الذي يفتخر بأنه ناطق، رغم أن بعض النطق إثم، وبعضه كفر، وبعضه فجر، وبعضه هلوسة وشعوذة، وبعضه كذب وادعاء، وبعضه خداع وضحك على الذقون الطويلة أو الحليقة، وبعضه كلمات متقاطعة لا تودي إلا إلى الهاوية أو التهلكة.. رغم أن في بعض ذلك النطق غزل، وشعر، وحكم، ومواعظ، وحل ألغاز، ووعود بجنات النعيم.

لكن الإنسان في كثير من مراحله ومواقفه يظل حيواناً «قذراً» مهما كان ناطقاً، ومهما غسل جسده بالصابون و«الديتول».. وما أكثر ما كان هو وحده ألعوبة في يد الشيطان يحركها كيفما شاء في كل زمان ومكان واتجاه.

إنني لا أهجو الإنسان، ولكني أدينه، وأتمنى أن «امرمط» به الأرض التي جعلها الله له ذلولاً.. وحولها هو عن سابق عمد وإصرار إلى «ماخور»، والى سجن تعلق فيه «الكلاليب»، والى صرخات استنجاد ليس لمطلقها من سامع أو منجد، والى دم مراق ليس له من آخذ ثأر، وإلى «عفن» لا يمكن لكل مصانع «الكلونيات» في العالم أن تعطره أو تزيل جراثيمه.

ومن أراد أن يتحقق من كلامي، فما عليه إلا أن يسمع ويصغي ويتفكر بالأخبار، وما يتناقله الركبان ووكالات الأنباء، ليعرف أن الإنسان حيوان فعلاً، ومع الأسف انه حيوان متحضر يعرف كيف يتفنن بالقتل والظلم والجبروت.. ويا ليت ذلك الحيوان كان بدائياً لا يملك غير «مقلاعه».

فهل لي بعد ذلك من كلام؟!، هل لي من كلام؟!