مظاهرة المليون «لبناني»..!

TT

هل عدنا إلى حكاية «مسيرة المليون»، ومسيرة العشرة ملايين، وحكاية الزحف الجماهيري، التي أتحفتنا بها الأنظمة الشمولية العربية، وآخرها نظام صدام حسين.

لقد حرك نظام صدام حسين ملايين الناس في الشوارع، وكانت المسألة سهلة، يترك الموظفون مكاتبهم، ويترك الطلبة مدارسهم، دون أن يحاسبهم أحد على مثل هذا التصرف المخالف للقانون، ويتم استخدام سيارات الدولة وباصاتها لنقل المتظاهرين، ويتم تحريك العسكريين بأوامر وبملابس مدنية، ويتم الصرف على لافتات وأعلام بعضها من اجل أن ترفع، وبعضها من أجل أن تحرق، والنتيجة أن هذه الملايين تخرج إلى الشوارع هاتفة صارخة بحياة الزعيم، أو للتنديد والاستنكار، ثم تعود إلى بيوتها، لتلعن وتشتم كل ما شاهدته وعانته في هذه المظاهرات الرسمية.

نقول ذلك بمناسبة تحريك مظاهرة المليون في لبنان، وهي مسألة لافتة ومحزنة. فلبنان يفترض أنه ليس نظاماً شمولياً، بل مجتمع ديمقراطي، والمجتمعات الديمقراطية لا تحرك الناس فيها بالريموت كنترول، والداعون إلى هذه المظاهرة، بعضهم أحزاب ليس لديه عشرون عضوا في حزبه، ولكنه يتبنى مظاهرة تضم مليون شخص. والمشكلة أن في لبنان قانونا يسمح بالتظاهر، فماذا سيحدث للبلد إذا حركت مجموعات معينة مظاهرة المليون بدعم الدولة، فقامت القوى المعارضة بتحريك مظاهرة العشرة آلاف أو المائة ألف، وأصبحت الدولة حامية لمظاهرة المليون، بأجهزتها الأمنية لأنها تتبناها، وقامعه لمظاهرة العشرة آلاف لأنها تعاديها..!

والغريب أن الذين يحاصرون المخيمات الفلسطينية في لبنان، يدفعون الآن لإخراج سكان هذه المخيمات للمظاهرة.

ربما ترتد الطلقة على من أطلقها، وينقلب السحر على الساحر، وتكون النتيجة أن الرسالة التي تود مظاهرة المليون إرسالها، تتحول إلى ضدها، فإذا كان الهدف إغاظة دول عظمى، فإن هذه الدول تعرف حقيقة هذه المظاهرات، وإذا كان الهدف إغاظة أطراف لبنانية معارضة، فاللبنانيون مثل كل العرب، يعرفون «البير وغطاه»، وإذا كانت رسالة لإسرائيل، فقد حركت حكومات عربية أخرى، مظاهرات بالملايين، حتى إذا جد الجد لم تجد هذه الحكومات من يقف معها.

مظاهرة المليون اللبنانية، هي مسمار آخر في نعش الاستقلال اللبناني، وضربة أخرى للنظام اللبناني، الذي يفترض أن يكون ديمقراطياً.