في يوم واحد: مفاجأة التايمس.. وإضاءة الأمير

TT

على هامش الضجيج السياسي الذي هو الجامع المشترك لدول العالم من دون استثناء، نتيجة انتقال الولايات المتحدة على أيدي أفراد متصهينين في الإدارة البوشية المتجددة، من دولة تستقطب محبة الناس، الى مشروع إمبراطورية مبغوضة من الجميع، تحدث في دنيا الإعلام مفاجآت وإضاءات تستوقف الإعلامي، اذا كان من جيل «الإنترنت» والكومبيوتر والبث الفضائي، كما أنها تستوقف الإعلامي من أبناء جيلنا المخضرَم الذي كابد من اجل ان يوصل المهنة الى ما باتت عليه.

من المفاجآت التي تستوقف المرء أن صحيفة «التايمس» البريطانية، وما أدراكم ما هي «التايمس» هدوءاً ومصداقية ووقاراً واحتراماً لقارئها، ونأياً عن الفضائحيات التي تقفز بالتوزيع صعوداً بضعة ألوف مع كل خبر مثير، أو لقطة أكثر إثارة، قررت أخيرا، وبعد فترة تجربة جمعت بين الحجمين «العادي والتابلويد» أن تختصر نفسها شكلاً وربما موضوعاً، من يدري؟ ويوم السبت 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي صدرت الصحيفة العجوز، بمعنى عمر الصدور البالغ 216 سنة، بالحجم المعروف بـ «التابلويد»، وهو غير الحجم المألوف الذي هو مثل حجم «الشرق الأوسط».

فهل فعلت هذه الصحيفة ذلك لأن زميلة لها حديثة العهد، هي «الاندبندنت»، سبقتها الى الصدور بالحجم النصفي او الحجم المختصَر، وحققت خطوة هذه الأخيرة نجاحاً وقبولاً؟ وهل فعلت ذلك في ضوء ظاهرة ارتياح البريطانيين وغيرهم من ركاب القطارات والأنفاق والحافلات، الى الحجم المختصَر،لأن تقليب الصفحات وهم في طريقهم الى اعمالهم، وبالذات اذا كانوا واقفين، ومن دون ان يحول الوقوف دون القراءة، أسهل عليهم مما لو كانت الصحيفة بالحجم العادي؟ وهل فعلت ذلك لأن هنالك المزيد من الانحسار في المداخيل الإعلانية، ومن الافضل كإجراء وقائي، اعتماد الحجم التوفيري؟ وهل فعلت ذلك لأن صحف «التابلويد» الشعبية، اكتسحت سوق القراءة، وباتت الرصانة على أهبة الضياع في زحمة اللقطات المثيرة لصدور وسيقان العارضات، وفي خضم ما هو مثير من الأخبار، حتى اذا كانت تتطرق الى خصوصيات الناس بمن فيهم مسلسل الأمير تشارلز وعشيقته، وأبناء الأمير والأخبار المتصلة بمراهقتهم، ومطلقات أمراء العائلة، وبالذات ما يتعلق بإحداهن التي لا تمانع في نشر صور بالغة الإثارة لها من اجل الكيد للبلاط البريطاني المحافظ والحصول على المال؟

قد تكون هذه «التايمس» الوقورة فعلت ذلك، أو فلنقل اقترفت إثم الارتداد على 216 سنة من الصدور بالشكل الذي كانت عليه حتى يوم 30 اكتوبر 2004، لتصدر بدءاً من الاثنين الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) بالحجم المختصَر، لواحد أو أكثر من الأسباب التي اشرنا اليها، او لسبب هو مزيج من الأسباب اياها مجتمعة. وهذه الخطوة تجعلنا نتساءل: هل ستندم «التايمس» على ما فعلته، أم ان قارئها سيكون ممتناً لمجلس إدارتها على هذه الخطوة؟ وهل ان تجربة الصحيفة الفرنسية الأكثر رصانة، وهي «الموند» التي تصدر بالحجم المختصَر المعروف بـ «التابلويد»، تؤكد أن المهم هو أن يكون الكلام رصيناً وان حجم الصحيفة الناشرة، لن يؤثِّر في ذلك على الإطلاق.

ما هو مؤكد أن الخطوة الجريئة من جانب «التايمس»، ستجعل الأُخريات تحذي حذوها. وشيئاً فشيئاً تسود ظاهرة الصحيفة المختصَرة شكلاً، وبحيث أن الحجم العادي يصبح هو الاستثناء، وان الحجم المختصَر «التابلويد» هو القاعدة. وهذه الاستدارة من حيث الحجم تجعلنا نتساءل: هل إننا في العالم العربي كمتأثرين بالظواهر الوافدة، وكمسارعين الى التقليد، سنشهد في زمن ليس بالبعيد ظاهرة صحافة «التابلويد».

من حيث المبدأ او المألوف، يبدو القارئ العربي أكثر شغفاً بالصحيفة ذات الحجم التقليدي، وذلك لأنه يقرأها في ظروف لا تبدو شبيهة بظروف ركاب القطارات، فضلاً عن ان الحجم يقاس بغنى المطبوعة او بفقرها. لكن على رغم ذلك وفي ضوء الحالة الإعلانية، حيث اجتاحت الفضائيات الجزء الأكبر من حصص معظم الصحف التي كانت في ذروة الازدهار الإعلاني من جهة، ومواكبة تقليد المبادرين من جهة أخرى، لا نستبعد اليوم الذي تصدر فيه الصحف ذات الشأن في العالم العربي بحجم «التابلويد»، آخذين في الاعتبار أن هنالك تخمة واضحة المعالم في بعض الصحف، وإلى درجة انها تصدر كصفحات بعشرة أضعاف ما يُستحب ان تصدر فيه.

هذا على صعيد مفاجأة «التايمس» البريطانية، التي نعتقد أنها ستجذب مفاجآت تأتي من غيرها. اما على صعيد الإضاءات فإن أكثرها جدية وبريقاً تلك التي أطلقها الأمير الدكتور فيصل بن سلمان بن عبد العزيز مصادفة، في اليوم نفسه لمفاجأة «التايمس» أي السبت 30 أكتوبر (تشرين الأول) 2004، وتتمثل في أن «المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق» التي يترأس مجلس إدارتها، قررت تأسيس «معهد الأمير احمد بن سلمان للتدريب الإعلامي التطبيقي». وهذا المعهد غير مسبوق في العالم العربي، وسيتخصص في التدريب التقني والفني والعملي لمختلف المستويات المتعلقة بصناعة الإعلام بشكل عام.

مثل هذا المعهد سيكمل ما تنتهي اليه الجامعة. وبعد الآن فإن الإعلامي الجامعي الذي سيتخرج مرة ثانية من المعهد سيكون، في حال جاء التدريب بروح الجدية والحماسة التي يريدها له الدكتور فيصل، إعلامياً بتميز وعليه بعد ذلك ان يصبح إعلامياً بامتياز، وبحيث سيتباهى جيل الربع القرن المقبل من الإعلاميين، بأنهم تخرَّجوا مرتين بدل المرة الواحدة. التخرج الأول نتيجة الدراسة الإعلامية في الجامعة... وهو تخرُّج مهم، والتخرُّج الثاني نتيجة التدريب والتطبيق، وعلى أيدي أصحاب التجربة من معهد الأمير احمد بن سلمان، الذي نفترض انه سيكون أكثر شمولاً من مؤسسة طومسون البريطانية العريقة.

ويأتي هذا المعهد في الزمن الذي تنحسر فيه خصوبة الحالة الإعلامية في العالم العربي، ربما لأن الثورة التقنية والمعلوماتية جعلت الطامحين والطامحات الى العمل في المجال الإعلامي، لا يكابدون بمثل المكابدة التي عاشها جيل الخمسينات والستينات مثل حالنا، الذين أضناهم السهر وأزكمت أنوفهم رائحة رصاص آلات الجمع، وتكسرت ضلوعهم من جرَّاء الأسفار الشاقة، بحثاً عن خبر أو متابعة لحدث مهم، لا مجال للوقوف عليه إلاَّ من خلال التحرك الميداني، وذلك لأنه لا وجود لتسهيلات مثل «الفاكس» و«الكومبيوتر» و«الإنترنت» والهاتف النقال.

ومع توافر هذه التسهيلات التي سيتم، بالنسبة الى الإعلاميين العرب من الجنسين، تتويجها وصهرها وبلورتها من خلال «معهد الأمير أحمد»، سنكون على موعد مع جيل إعلامي عربي جديد يثري هذه المهنة حرفاً مطبوعاً أو كلاماً عبر الأثير ومن خلال شاشات الفضائيات.

وتبقى الإشارة في صيغة التمني، وهو أن يكون «معهد الأمير أحمد» لكل الإعلاميين العرب، وليس فقط لزملائنا واخواننا السعوديين إشرافاً او تدرُّباً، أو بتحديد أكثر دقة، يكون له مجلس أمناء عرب من أصحاب التجربة الإعلامية، ويكون بمثل رؤية حامل اسم هذا المعهد للحالة الإعلامية العربية عموماً.... وهي رؤية ليست محصورة بالمملكة وحدها، وإنما تشمل أقطار الأمة من المحيط إلى الخليج.