عزاء ولا عزاء.. هكذا نتفهم مقتل ذلك العراقي بالمسجد

TT

عرض كيفين سايتس علي ملايين من مشاهدي التلفزيون في انحاء العالم، الصور الفظيعة لجندي اميركي من قوات المارينز، وهو يطلق النار على جريح عراقي في مسجد في الفالوجة. ويجب على التاريخ تذكر هذه الحادثة، عبر عبارات سايتس، بالاضافة الى الصور الفظيعة التي التقطها.

وقال المصور التلفزيوني في رسالة مفتوحة بعث بها في 21 نوفمبر على موقعه في الانترنت: «أريد منكم الاطلاع على روايتي واحسموا امركم بنفسكم»، وهي موجهة الى وحدة المارينز التي سافر معها خلال معركة الفالوجة.

ورد الفعل الأول لمشاهدة الفيلم على شبكة سي ان ان، حيث عرضته لمدة يومين، هو ان سايتس منح الارهابيين في العراق فرصة دعائية، ستبعد الانظار من الاعدام الوحشي لمارغريت حسن، وغيرها من الرهائن، فيما اشارت كلمات المصور في موقعه الخاص، الى ان ردود الفعل الاخرى كانت اقوى.

وقال سايتس: «لقد صدمت من تصويري كناشط معاد للحرب»، ونفي انه كان مسيسا في تغطيته. وشعر بالفخر لتجنب تحويله الى اداة بالنسبة لدعايات أي شخص. واضاف يقول: «اجد نفسي الآن وقد أصبحت مثارا للجدل في تقرير ما شهادته امام عيني، والكاميرا دائرة».

وتعلم سايتس درسا من ان الصحافيين والسياسيين، وغيرهم من الذين يعملون ويعيشون في الحياة العامة، عليهم الحياة بمنطلق: ما دمت نطقت الكلمة اواذعتها، فإن كلماتك وصورك لم تعد ملكك، فيما يمكن أن يتم تفسرها او يساء فهمها، طبقا للمعتقدات الحالية لمشاهديك واحتياجاتهم، كما ان النوايا تتلاشى بعد البث.

إن حادثة الفالوجة، التي جاءت بعد انتهاكات سجن ابو غريب الفظيعة، تقدم صورة قيمة للسلاح القوي المعروف باسم الجانب المخزي في السياسة والحياة العربية.

ان جعل المعارض، او المنافس، او أي شخص آخر، يشعر بالخزي، يمكن ان يكون عاملا مهما في المفاوضات او النزاعات، هو الآن غريزة سريعة التطور في العالم العربي. ويمكن تفسير تغطية الجزيرة لأوضاع العراق او اسرائيل، ليس فقط من منطلق الانحياز، او الاستياء، ولكن أيضا بالبحث عن المميزات التكتيكية في المجالات النفسية والسياسية.

وللبروباغندا اهمية، بحيث لا يجب تركها لما يماثل وزارتي الخارجية او الدفاع في العالم العربي. وتلك وسيلة حياة في الشرق الاوسط، ولا سيما في هذا العصر الرقمي، عندما يتأثر الخيال والضمير بالمنظور والعاطفة.

حاول ان تتخيل الأهمية التي يمكن لشبكات التلفزيون ربطها بحادثة المسجد في الفالوجة، او حتى فضيحة ابو غريب، اذا لم يكن هناك شريط مصور او صور. ومن هذه النقطة فإن أي دولة، او شعب سيء الحظ، يتعرض لمثل هذه المهمات التي حددتها ادارة بوش للشرق الاوسط، يكون عليه ادراك حقيقة انه لا بد من وجود مثل هذه الاحداث. وروى سايتس الظروف الغامضة لواقعة القتل التي صورها، وأعرب عن تعاطفه مع أي جندي مشاه في الثامنة عشرة من عمره. غير أنه لم يترك أي مجال للشك في اعتقاده بأن القتل غير مبرر، وأنه من صلاح قيادات المارينز اجراء تحقيق في الحدث.

وقال سايتس الذي كان يعمل لحساب شبكة ان بي سي: «فكرت في عدم تقديم الشريط الى الشبكات الاخرى، او حتى تدميره. ولكن مثل هذا التفكير خلق نفس الالم في امعائي، مثل ذلك الذي شعرت به عندما شاهدت القتل، وشعرت بأنني مخطئ، فإخفاء ذلك لم يكن ليقضي على الموضوع». وقد تم حجز الفيلم لمدة 48 ساعة للتأكد مصداقيته، وكان يجب على أن بي سي اتخاذ خطوة اخرى بتوفير رواية سايتس الكاملة للمشاهدين.

وأما بالنسبة للمارينز، فقد قدم سايتس نصيحة تقول :«عندما كان الرجل العراقي في المسجد يمثل تهديدا لكم، كان عدوكم، وعندما تم اخضاعه اصبح مسؤوليتكم، وعندما قتل امام عيني وعدسات الكاميرا، اصبحت قصة مقتله مسؤوليتي».

أما الامتعاض، فموجه لأمثال قناة «الجزيرة» الذين استغلوا عمله لأغراض دعائية (في الوقت الذي رفضوا بث افلام عن فظائع الارهابيين، لإثارة الرأي العام ضد قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة).

وأخيرا، فقضية سايتس، تعتمد على التصور بأن معرفة الرأي العام، في مجتمع ديموقراطي، للحقيقة الكاملة، ستضع مثل هذه الواقعة في اطارها الطبيعي، فيما لن يفقد مثل ذلك المجتمع الديمقراطي الرؤية المتكاملة للوضع، وهي صورة قوات اميركية تخاطر بحياتها لتخليص العراقيين من حكم الارهاب. وفضيحة ابو غريب، واطلاق النار في المسجد، لا يبطلان ذلك.

* خدمة مجموعة كتاب «واشنطن بوست»

(خاص بـ«الشرق الأوسط»)