زنجبار تبكي وحدها

TT

«نناشد كل أصحاب النيات الحسنة أن يكسروا الصمت» بيان القساوسة.

عادة ما تستخدم الانتفاضة الفلسطينية للاستدلال على انحياز الخطاب الإعلامي الغربي ضد قضايا العرب والمسلمين، ويفسر في العادة هذا الانحياز على أنه نتيجة الهيمنة الصهيونية على وسائل الإعلام الغربي، غير أن هذا الانحياز لا يقف عند حدود الصراع العربي الإسرائيلي، فالخطاب الإعلامي الغربي يكاد يتبنى نفس النهج في كل قضية طرفها عرب أو مسلمون، وما حدث مؤخرا في زنجبار شاهد آخر على هذا الانحياز.

زنجبار هي جزء من ذلك الشريط العربي الممتد على الساحل الشرقي من القارة الافريقية، يرتبط معظم سكانها بصلات قربى ونسب مع عرب الساحل الجنوبي من الجزيرة العربية، غير أنها جزء يتعمد التاريخ إغماض عينيه عنها ويشيح الضمير الدولي بوجهه عن مآسيها، إذ لم يكتف المجتمع الدولي بصمته إزاء مجازر عام 1964، التي صاحبت استيلاء تنجانيقا (تنزانيا حاليا) على الجزيرة، بل ما زال يصر على صمته إزاء المذابح التي يواجهها المسلمون وهي تتجدد بعد ربع قرن من الزمان. فقد شهدت الجزيرة في الشهر الماضي من مطلع هذا العام عمليات عسكرية لقمع مظاهرات سياسية قام بها المسلمون احتجاجا على تزوير الانتخابات، وانتهت هذه المظاهرات بحصار للجزيرة واقتحام المساجد وضرب السكان، وفي الوقت الذي كان الجيش يحصد أرواح المدنيين كانت الشرطة تكمل المهمة بتكسير عظام ومفاصل الجرحى وتكومهم فوق بعضهم البعض في سيارات مكشوفة. ورغم الحصار العسكري حاول المسلمون حمل جرحاهم إلى الساحل والخروج بهم على سفن إلى سواحل كينيا، رغم ذلك لم تتورع الطائرات التنزانية عن قصف السفن لتغرق واحدة منها وهي تقل 250 جريحا. ولقد عاش المسلمون تحت الحصار أربعة أيام منقطعين عن العالم في غياب أي احتجاج عربي أو إسلامي، في الوقت الذي منحت فيه حكومة تنزانيا مدبري هذه المذابح أنواط ترقيات عسكرية.

ما حدث في زنجبار يكشف نفاق الإعلام العالمي، الذي لا يلتفت إلا للمآسي والمذابح، التي تتعارض مع السياسات الغربية، أو تلك التي يتجاوز مداها حدود الصمت والتعتيم كما حدث في الشيشان. ذلك النفاق الذي يصف أية حركة تحرير إسلامية بالإرهاب أو الانفصال، بينما يضفي على غيرها مفردات الحرية والنضال وتقرير المصير، أو ذلك الذي يقدم نصف الصورة عن المجازر على أنها كامل المأساة، وهو ما تفعله بعض الصحف والمجلات الغربية عندما تغطي أحداث جزيرة الملوك في إندونيسيا.

ولعله من المفارقات أن يمعن هذا الإعلام في تسليط الضوء على معاناة المسيحيين في جنوب السودان، وأن يسعى منذ عقود الى إحاطة المتمرد جون جرانج بتغطية إعلامية شديدة التركيز، وتصويره كمناضل يسعى لرفع المعاناة عن شعبه، ثم تأتي الكنيسة الكاثوليكية لتكشف الزيف كله، واصفة تلك الحرب في بيان قساوستها بأنها غير أخلاقية وعبثية. ولعله من المفارقات أن يضع القساوسة العاملون في مناطق التمرد ادبيات الإعلام الغربي حول جنوب السودان على محك الأمانة، وذلك عندما يشير بيانهم إلى النزعة اللاإنسانية للسياسات الغربية التي يتبناها الخطاب الإعلامي الغربي، إذ يقول «نناشد القوى السياسية والاقتصادية في العالم: تخلوا عن مطامعكم ومصالحكم الأنانية، ساعدوا السودان على استعادة إنسانيته وكرامته الضائعة».