تلك هي المسألة

TT

العام الماضي اعلن الاخضر الابراهيمي، مبعوث الامم المتحدة الى افغانستان، انه انهى مهمته ولن يعود الى كابل. وكان ذلك نذيراً خطيراً. فعندما يعلن رجل في مثل صبر الابراهيمي وفي مثل اهتمامه، يأسه من العثور على حل، يكون ذلك نذيراً. ومنذ ذلك الوقت والعلاقة بين الامم المتحدة وكابل استقالة او اقالة. مرة تخرج الامم المتحدة ومرة تطرد ومرة تعود. لكن الاسبوع الماضي اطلق الامين العام المساعد للشؤون الانسانية نذيراً آخر بعدما تعدت القضية حدود افغانستان واصبحت تشكل مأساة كبرى في باكستان المجاورة. ويقول المنسق الدولي في اسلام اباد، «اريك مول» ان «عامين من الجفاف واعواماً طويلة من الحرب تتحول الى مأساة بشرية كبرى». ويموت الاطفال في مخيمات حيرات من الصقيع فيما يعيش 100 الف لاجئ في اسوأ الظروف وينتشر السل وامراض اخرى. ولا يزال سيل اللاجئين يتدفق من انحاء البلاد على مخيم حيرات وفي اتجاه الحدود الباكستانية.

وتحذر صحيفة «دوون» الصادرة في كراتشي من «ان موجة الهجرة الافغانية تغير لون الشمال في سهول البنجاب. ومنذ حقبة محمود الكبير (محمود غازنويد 998 ـ 1030) والافغانيون يقتحمون هذه الاراضي كغزاة. لكنهم للمرة الاولى في التاريخ يأتون كلاجئين (...) فيما تعجز الدولة الباكستانية عن مواجهة هذا الغزو الصامت. ويبدو الخط الحدودي الآن شيئاً من الماضي: لقد اصبحت افغانستان في قلب البنجاب (...) اننا لا نستطيع ان نحصي عدد الافغان الذين نصبوا خيامهم في قرانا ومدننا. لم تعد باكستان سوى مصفاة تخرج الناس منها وتدخل اليها حين تشاء. لقد حمت ايران حدودها في وجه اللاجئين الافغان، في حين ترك لهم الجنرال ضياء الحق، الذي هو مصدر الكثير من احزاننا وآلامنا، الحرية المطلقة. وها نحن ندفع الآن الثمن، غزواً مستمراً سوف يدوم اكثر من اي غزو سابق».

تقدر الامم المتحدة عدد اللاجئين الذين دخلوا باكستان منذ سبتمبر (ايلول) الماضي بحوالي 170 الفاً، اضيفوا الى نحو مليونين آخرين. وقد رفضت اسلام اباد طلباً تقدمت به المنظمة الدولية لاقامة مخيمات جديدة على اراضيها، في حين اصر وزير الداخلية الباكستاني معين حيدر خلال محادثاته مع «طالبان» في كابل، ان تقام جميع المخيمات بعد الآن داخل الاراضي الافغانية نفسها. مع العلم ان الكثير من هذه المخيمات مصنوع من الالبسة او القطع البلاستيكية التي لا ترد برداً ولا صقيعاً.

تعرب صحيفة «دوون» الباكستانية عن يأس شديد، جراء ما تسميه الغزو الافغاني الصامت، وتقول انه اثر في الحياة اليومية للمواطنين: «ان مشكلة باكستان ليست في الديموقراطية او الديكتاتورية بل اصبحت في مقدرة الدولة على البقاء». فأي دور تستطيع الديموقراطية ان تلعب في هذه المسألة؟ لقد تخطت المشاكل موضوع الديموقراطية وتخطت بنازير بوتو او عودة نواز شريف (...) ان أي ديموقراطية لا تستطيع ان تواجه تحدي هذه الضواحي الافغانية التي اراها قائمة امامي على طول طريق ثانيل (كراتشي) كل مساء (...) ولا احد منا يعرف كيف سيواجه هذه الحالة التي قضت على طمأنينتنا منذ وقت».