صيد الفسيفس

TT

حدثني صديقي المواطن الإسرائيلي النبيل، الذي يعاني من عقدة الإثم، وعقدة الإثم التي يعاني منها هي انه في 1948، حارب من أجل إسرائيل وساهم في ضرب الشعب الفلسطيني. حدثني فقال: إن الكثير من هذه المصائب التي تجري في فلسطين الآن، تعود لهؤلاء الزعران من اليهود الأمريكان. يأتي أكثرهم من هذه الكليات اليهودية في الولايات المتحدة التي تربي في تلامذتها الروح الشوفينية العنصرية والنزعة القتالية. تتضمن الدراسة فيها سنة يقضونها في إسرائيل، على الأكثر في المستوطنات، يذهبون إلى هناك بتلك الروح وبذهنية المستعمرين الأميركان الأول عند تعاملهم مع الهنود الحمر.

هنا توقف صديقي ديفد فسألني، هل تربون في العراق أو تأكلون الديك الرومي؟ قلت له، شيء قليل. يربونه على الأكثر اخواننا المسيحيين الذين تأثروا بالغرب مؤخرا. يربونه ليأكلوه في أيام الكرسمس تقليدا للغربيين، وهو يعرف بين العامة عندنا باسم الفسيفس.

قال في أمريكا يربون الفسيفس في مزارعهم طوال العام، حتى إذا اقتربت أيام الكرسمس، خرجوا، الأب والأبناء والأعمام ببنادقهم ليتصيدوا هذه الديكة وهي تركض وتنط آمنة في المزرعة. هذا يختار الديك الأسود فيصوب عليه، وذاك يختار الديك الرصاصي أو البني وهكذا. يسمون هذه المناسبة الرياضية الممتعة بصيد الفسيفس Turkey Shoot.

تذكر هؤلاء الفتيان من اليهود الأمريكان في إسرائيل تقاليد صيد الديك الرومي في الولايات المتحدة، فأخذوا يخرجون من مستوطناتهم، أو مع وحداتهم العسكرية، صباح كل يوم، يضعون بنادقهم على أكتافهم ويسيرون نحو تجمعات الصبيان الفلسطينيين من أولاد الحجارة، يأخذون أماكنهم وينتظرون مجيء الأولاد. وحالما يلوحون في الشارع بأحجارهم الصغيرة، يبدأ هؤلاء القوم بعملية الصيد والتهديف. شلومو يقرر اختيار ذلك الصبي الأشقر الشعر، وكوهين يختار الصبي اللابس قميصا أزرق، وحسقيل يهدف على الشاب الملتحي.

يبدأ الأولاد بقذف الحجارة ويبدأ شلومو وكوهين وحسقيل بإطلاق الرصاص، كل وراء صيده. تنتهي العملية بعد دقائق قليلة، الدماء تسيل على بلاط الشارع، والصبي الأشقر والقميص الأزرق والوجه الملتحي على الأرض بين جريح وقتيل.

يعود الفتية الأمريكان إلى غرفهم ومنازلهم، ينظفون بنادقهم لليوم التالي، يشربون علبة أو علبتين من الكوكاكولا ثم يجلسون لتناول غدائهم من أطايب الكوشر الخالص. هز ديفد رأسه قائلا: إنهم يسمون ما قاموا به، ويقومون به كل يوم، بصيد الفسيفس.

قلت له: ولكن يا عزيزي ديفد، النصارى الأمريكان كانوا يخرجون ليصيدوا ما يأكلونه، وهؤلاء الطلاب يصيدون ما لا يأكلونه. قال: الحق معك، فلحم الفلسطيني ليس بكوشر، ولكن ما المهم؟ ليس كل ما يصاد يؤكل.