وما نيل المطالب...

TT

على الورق ثقافة حقوق الانسان في العالم العربي (آخر ألسطه) أما على أرض الواقع فيا قلب لا تحزن، أو الأصح إحزن أكثر من بقية الأيام. ففي اليوم العالمي لحقوق البشر تتكثف معرفتنا بحجم ما ينقصنا ونكتشف أننا في طريقنا لابتذال مصطلح آخر، كما فعلنا قبله بمصطلحات جليلة كثيرة لاكتها ألسنتنا وطحنتها صحفنا وإذاعاتنا وتلفزيوناتنا حتى صارت باردة ومملة، قبل أن تحصل على فرصتها في التحقق.

اليوم بالذات سنسمع كلاما فخما عن الحقوق ونتابع أخبار أكثر من ندوة ونطالع عدة بيانات ونشاهد ـ ربما ـ بعض التظاهرات الصغيرة بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان ثم ينفض السامر وينجلي الغبار عن المشهد الذي سبق الاحتفاليات فلا الاعتقال التعسفي توقف ولا قوانين الطوارئ ألغيت ولا السجون انخفضت نسبة قاطنيها.

الاستثناء الوحيد في بلادنا الذي قد يكون له معنى هذا الصباح توجه قافلة اغاثة دولية من ناشطي حقوق الانسان من مختلف بلاد العالم من مصر الى رفح المحتلة لتذكير العالم بأن الشعب الفلسطيني أكثر شعوب الارض حرمانا من الحقوق وتعرضا للاضطهاد والعنصرية.

لقد أصبح في العالم بعد اعلان الحقوق الأول أكثر من (ميثاق وشرعة وصك وعهد..) لحقوق البشر، وتزخر أدبيات ثقافة حقوق الانسان بتفسيرات لتلك الصكوك، والمواثيق تملأ مجلدات ضخمة، لكن البلاغة والتفسير شيء والتطبيق شيء آخر. وبما أننا دوما نحب أن نجمع المجد من أطرافه يجتمع علينا الانتهاك المحلي للحقوق مع التجاهل الدولي للمواثيق، وما كان ينقص الذين حضروا تلك الصكوك والمعاهدات ووقعوها الا أن يقولوا انها للتطبيق في جميع أنحاء العالم باستثناء الوطن العربي.

في عام 1960 صدر اعلان الحقوق الخاص بمنح الاستقلال للشعوب الرازحة تحت نير الاستعمار ووقتها كان عندنا فلسطين والجزائر في قائمة الدول المحتلة وها نحن بعد 64 عاما من ذلك الاعلان نجد أن العدد لم ينقص فقد تحررت الجزائر ليعاد استعمار العراق اما الدول العربية التي تخضع لاستعمار غير مباشر ففي خانة العشرات.

بعد الاعلان الأول بثلاثة أعوام، وفي 1963 صدر اعلان الأمم المتحدة الخاص بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ثم وافقت الأمم المتحدة على قرار يساوي الصهيونية بالعنصرية فنسي العالم الاعلان وانشغل بمحاربة القرار حتى جمده وألغاه لتظل فلسطين مستعمرة من فئة تمارس أسوأ من ممارسات البيض في جنوب أفريقيا بعشرات المرات ولا تجد من يردعها، لأنها محمية جيدا من القوة العظمى التي تستضيف الامم المتحدة في ديارها، وحين يكون رب الدار بدف العنصرية قارعا يرقص الجميع على أنغامه وألحانه المخالفة لكل المواثيق والقوانين.

واذا جمعنا الانتهاك المحلي الواقع علينا مع الاضطهاد الدولي النازل بنا لا يبقى في جعبتنا من ثقافة حقوق الإنسان غير الكلام. والذنب ليس ذنب العالم وحده بل ذنبنا قبله لأننا نعرف القصيدة قبل أن تغنيها أم كلثوم وكوفي عنان (وما نيل المطالب بالتمني..) وندرك أن الحقوق تؤخذ ولا تعطى لكننا ـ مثلا ـ لم نتظاهر ضد أية انتخابات مزورة كما فعل الأوكرانيون رغم وفرة المزورين عندنا.