«شخبطة» سياسية على الجدران

TT

رواية غير مألوفة ، تلك التي رصدتها إحدى الصحف السعودية ، من انه تم جلد شابين كتبا شعارات مؤيدة لصدام وبن لادن على جدران بيوت الحي. المسؤولون بطبيعة الحال ينفون أنها عقوبة على المضمون السياسي، بل تأديب للتشويه المتعمد، وانه سبق ان عوقب آخرون من قبل بسبب «شخبطات» رياضية وعبثية على الجدران. مع هذا أشعر انها عقوبة على الترويج للشقيين الشهيرين، زعيم القاعدة الهارب ورئيس البعث العراقي المسجون. وهي عقوبة كان يفترض ان تطبق ، ليس في من كتب بل لمن درّس، لا يستحقها الطالب بل المعلم، حيث تكمن المشكلة.

فكيف يُجلد من قرأ تبجيلا لابن لادن في صحيفة ، او سمع ثناء على صدام في تلفزيون ، او لقن مناقب مثل هؤلاء في المجاميع العامة، او بررت اعمالهم السيئة على منابر المساجد وفصول المدارس. لذا لا معنى لعقوبة الطالب المجتهد الذي يؤدي واجباته المدرسية على جدران الحي.

واذا كان صبيان قد كتبا علانية محيين بن لادن وصدام ، فان الاخطر هم بقية الصبية الذين لم يكتبوا شيئا ، بل حفظوا الدرس وانخرطوا ، او يفكرون في الانخراط ، في حلقات التدريب الدعائية او الرماية الميدانية، وهم في طريقهم للانضمام الى جيش التائهين ، الباحثين عن معركة في هذا العالم المضطرب.

نحارب بن لادن على الجدران ، وهناك من يروج له ضمنا في الصحف ، مدعيا ان مؤامرة تحاك على الإسلام، وما لوحق هؤلاء ومثلهم إلا اناسا ابرياء ، تآمرت عليهم وسائل الاعلام الغربية ، متعمدة إلصاق تهم بالمسلمين لا علاقة لهم بها ؟ هنا لا تستطيع ان تحارب التلاميذ السيئين ، قبل ان تحارب الافكار السيئة، والمروجين لها في مواقعها الاولى ، مثل المدرسة والوسيلة الاعلامية واختها الإنترنتية ، وحلقات الدعوة ومخيمات الشباب. فهي المصدر للأفكار، ومكان غسل عقول الناس، اما عندما «يشخبط» صبي على أحد جدران الحي ، فهو يعبر تلقائيا عن ثقافته التي لقنوه اياها. وهي تذكرنا بمحاربة ثقافة النازية في بلد مثل المانيا ، التي تعاني من متطرفين لا يزالون يحلمون بقومية فاشية تمثلها النازية، وهؤلاء يعاقبون بالسجن ايضا عندما يشخبطون على الجدران ، راسمين الصليب المعقوف او التحية لهتلر، انما محاربة الفكر النازي وما يمثله ايضا جزء اساسي في الثقافة الالمانية، ولهذا السبب فأغلبية الالمان يعرفون سوء الفاشية ويتبرأون من هتلر وتاريخه.

وانا أعرف ان هناك سعيا حثيثا لمواجهة الفكر التبريري للارهاب ، وطروحات التنظيمات المتطرفة ، لكن ما ينقصه أنه ضعيف ورسمي. فالوتيرة البطيئة للاصلاح الفكري ، لا تستطيع سد ابواب الترويج المستمرة في غسل عقول الشباب. وقد طور المعارضون للاصلاح وسائلهم ، من مثل استخدامهم قضايا العالم الاسلامي لتكون قضايا للشباب ، واسقاط ما يناسبهم سياسيا لتبرير اعمال المتطرفين، كما رأينا في اختيار المتطرفين الفلوجة اسما لعمليتهم الفاشلة في اقتحام القنصلية الاميركية في جدة. فهم لم يجرؤوا على تسميتها محليا، فحاولوا اسقاط وتبرير جريمتهم تحت شعار عريض ، كان اعلامنا قد اعتبره ايضا قضيته ، وصار ارهابيونا يدافعون عن الفلوجة في ساحتنا من أجل إلباس قضيتهم ثوبا مناسبا.

[email protected]