الدولار والنفط

TT

هناك العديد من الدول في العالم التي لاقتصادها عموما وعملتها المحلية تحديدا ارتباط غير عادي بالعملة الاميركية «الدولار». ويطلق الاقتصاديون على تلك الظاهرة مصطلح الدولرة. وفي العالم العربي يستطيع الإنسان متابعة علاقة اقتصادات لبنان ومصر مثلا بالدولار بالكثير من الدهشة والاستغراب، فأي حركة في أسعار صرف الدولار يحدث انعكاسا واضحا لها في العديد من المنافذ وفي أكثر من قطاع وبشكل سريع.

وفي السعودية يوجد الارتباط الوثيق ما بين الريال والدولار بتثبيت سعر صرفه. وهذا القرار المبني على فترة طويلة من السياسة المعنية الخاصة بمتانة سعر الدولار وأن معظم دخل السعودية نتاج الإنتاج النفطي هو بالدولار الأميركي كان من الطبيعي أن يثبت سعر الصرف بهذا الأسلوب.

ولكن الولايات المتحدة باتت اليوم تتعامل اقتصاديا مع العالم بأسلوب مغاير تماما وبات التصدير أحد أهم هواجسها الرئيسية، وهذا لن يتأتى إلا بإضعاف مستمر للدولار لتصبح المنتجات والخدمات الاميركية أكثر قبولا وخصوصا في ظل التنامي المستمر للاقتصاد الصيني الكبير.

واليوم «الدخل» السعودي من النفط يتقلص نظرا لانخفاض سعر صرف الدولار، وسيظل ينخفض أكثر مع استمرار انخفاض سعر البرميل وهو الذي يحدث الآن. ولكن ما يذهل له هو تصريحات وزارة المالية وتقليلها من تأثير انخفاض سعر صرف الدولار الأميركي مقابل العملات الثابتة على الاقتصاد السعودي ومتانته، حيث أفادت بأن أغلب المنتوجات التي يتم استيرادها هي بالدولار الاميركي وبالتالي أثرها يبقى محدودا. مع العلم أن هذا ينافي الوضع الحقيقي، إذ أن نسبة استيراد السعودية المحدودة بالدولار تصل الى 40% من اجمالي الواردات، ويحوز اليورو نسبة 30%، أما بقية العملات فتنال حصة الـ 30% المتبقية من عملات آسيوية وجنيه استرليني وفرنك سويسري.

والتعاطي مع الوضع الجديد للدولار يجب أن يكون مبنيا على معطيات مختلفة ويجب أن يكون القرار اقتصاديا بحتا. إذ أنه من الواضح أن الاقتصاد العالمي أخذ منحى جديدا تماما وباتت ساحة المواجهة هي ساحة تصديرية بحتة والمتحكم في ذلك هو القدرة التنافسية لعملات البلاد.

هناك أمثلة مختلفة لدول نفطية فكت ارتباط عملاتها بالدولار وكان نتاج ذلك راحة أفضل في التخطيط والسوية الاقتصادية. ومن المعلوم أن الدولار مرشح لمزيد من الانخفاض مقابل اليورو وهناك أكثر من دراسة جادة لمصارف محترمة ومرموقة تتوقع وصول الدولار مقابل اليورو الى 1.45 وهذا بطبيعة الحال ينذر بانخفاض أعلى في الدخل البترولي.