اكتشاف أميركي جديد: المسلمون لا يكرهون أميركا.. وإنما سياساتها

TT

انتبهوا: توصل خبراء البنتاغون إلى اكتشاف مهم: المسلمون لا يكرهون حريات الولايات المتحدة بل سياساتها.

من كتب هذا النص؟ ترى هل شخص مجهول على إحدى صفحات الانترنت، أو سوسيولوجي شعبي، أو كاتب مسرحي معاد للحرب؟

«فالمسلمون يرون الأميركيين أناسا شديدي النرجسية، بحيث لا يرون في الحرب إلا كونها حولهم، فكل شيء حول الحرب، بالنسبة للأميركيين ليس أكثر من امتداد، لما هو بالأساس سياسات أميركية، خاصة بالشؤون المحلية الأميركية، وتلك هي لعبتها الكبرى. هذا التصور تم تجسيده على أرض الواقع من خلال المناخ الانتخابي الأخير، الذي استمر لمدة عام، لكنه مع ذلك يترك انطباعا يتمثل في أن الأميركيين حينما يتحدثون مع المسلمين، فإنهم يتحدثون مع أنفسهم.

هذا القول لم يجئ من أي من تلك الافتراضات السابقة، لأنه جاء ضمن استنتاج شامل في تقرير أصدره مجلس العلوم الدفاعية حول الاتصالات الاستراتيجية، في تقريره في سبتمبر الماضي، ويتكون من 102 صفحة، وتم نشره علنا أثناء الحملة الرئاسية الأخيرة، لكن لم يشر له في الصحافة الأميركية، ثم انتقل عشية «عيد الشكر» إلى موقع البنتاغون على الانترنت.

ويتضمن هذا المجلس الذي شُكِّل للقيام بتلك الدراسة، خبراء في مجال العمل التجاري وأكاديميين ودبلوماسيين، والهدف من وراء ذلك هو تطوير استراتيجية، تهدف إلى التواصل مع الآخرين في «الحرب ضد الإرهاب على المستوى العالمي»، لكن عمل هذا المجلس ظل مغلقا أمام الصحافيين، بينما ظل مفتوحا أمام الأجهزة الحكومية المعنية بالأمن القومي. ولم يكن هناك أي مسعى للمشاركة في النقاش الدائر على المستوى الوطني، وهذا ما قلل من إثارة خلافات فكرية، فبقي التقرير وقفا للاستهلاك الداخلي فقط.

واكتشف هذا المجلس أن المفقود هو «قيادة قوية، وتوجيه استراتيجي، وتنسيق كاف، ومصادر كافية وتقاليد في التقييم، وإعادة النظر بالاستراتيجيات والتطبيقات». واكتشف أعضاء هذا المجلس من خلال غورهم في سياسة بوش الخارجية، أن «صورة أميركا السلبية في العالم وعجزها عن إقناع الآخرين هي نتائج لعوامل، أكثر منها حالة فشل في تطبيق استراتيجيات التواصل والاتصال». وما ظهر من التقرير هو توجيه اتهام بوقوع كارثة كبيرة، ناجمة عن التجاهل الحرون للعالم، وفشل المبادئ المتبعة التي ليس لها أي صلة بالواقع المستند على التجربة العملية، دعك عما يرافقها من تأكيدات، لا تؤدي إلا إلى تصاعد الكراهية بين المسلمين تجاه أميركا.

وحسب مجلس العلوم الدفاعية: « فإدارة بوش قد أخطأت في فهم الحرب على الإرهاب، بسبب إسقاط صورة الحرب الباردة عليها، معتبرة إياها تقليدا للأخيرة. مع ذلك فإن الصراع لم يكن بين الغرب والإسلام، بينما ظلت تردد بطريقة عمياء عبارة الحرب على الإرهاب، فيما يرى المسلمون عكس ذلك، إذ أنهم يعتبرونها حركة إصلاح إسلامي ضد الأنظمة العربية المرتدة، أو المتحالفة مع الولايات المتحدة، أومع التحديث الغربي، وكل تلك الأوصاف أجندة مخفية خلف إعلان الحرب على الإرهاب. ومن هنا وفي هذا النزاع «المختلف كليا عن الحرب الباردة»، كان ميل إدارة بوش هو «تقليد الروتين والنمط البيروقراطي، الذي كان متبعا أثناء حقبة الحرب الباردة»، لذلك فإن الولايات المتحدة تسقط على العراقيين والعرب صورة وهمية، بأنهم أناس يجب تحريرهم، مثلما هي الحال مع أولئك «المظلومين على يد النظام السوفيتي». والولايات المتحدة تقبل بالأنظمة العربية الاستبدادية على أساس أنها حليفتها ضد «المقاتلين المتطرفين». وكل ذلك وبحسب تقرير المجلس، «خطأ استراتيجي» ضخم.

ويقول التقرير: ليس هناك أي توق للتحرر على يد الولايات المتحدة بين المجتمعات المسلمة» مثلما كان الحال مع بلدان أوروبا الشرقية، أما الخطابات الطنانة عن الحرية فقد استُقبلت باعتبار أنها ليست «أكثر من كلام منافق يهدف إلى خدمة الذات»، وهذا ما يتم تكراره يوميا على يد الاحتلال الأميركي في العراق. وذكر التقرير: «المسلمون لا يكرهون حريتنا لكنهم يكرهون سياساتنا». كذلك فإن «الخطاب الدرامي المتعلق بالحرب ضد الإرهاب» الذي ظل بوش يكرره ووفقه ربط بين ما حدث للمركز التجاري الدولي في نيويورك يوم 11 سبتمبر 2001 وبغداد، آل إلى تحويل «الجهاديين» الذين كانوا وجوها هامشية في العالم المسلم، إلى مدافعين ضد الاحتلال الأميركي للعراق، مع وجود ملايين من الناس يتبعونهم.

وأضاف التقرير مستنتجا:«لذلك فإن المشكلة الجوهرية في الدبلوماسية الأميركية العامة الموجهة للعالم المسلم، ليست مستندة إلى «بذر المعلومات»، أو حتى إتقان صياغة «الرسالة المناسبة». بدلا من ذلك كانت المشكلة الجوهرية هي المصداقية، وببساطة ليس هناك أي من ذلك، فالولايات المتحدة بلا أي قناة فعالة تساعد على التواصل مع عالم المسلمين، وهذا يخدم لا محالة الطرف الذي يمتلك الرسالة والقناة الواضحة والصاخبة لإيصالها، وهذا هو العدو الذي تحاربه أميركا».

والى ذلك فقد قدم المجلس ، وقبل ما يقرب من ثلاثة أشهر، تقريره إلى البيت الأبيض حسبما قال لي مصدر خاص، لكن لم يظهر أي رد فعل تجاهه، فيما تم إهمال التقرير من أولئك الذين كانت التوصيات المتضمنة في التقرير موجهة لهم على وجه الخصوص.

أما بالنسبة لإدارة بوش، فلا يعد أي تحليل يقوم به الخبراء، أكثر من كونه طارئا وعرضيا، وقد أوضحت تلك الإدارة موقفها هذا للمهنيين العاملين في حقل الأمن القومي، حينما جعلت «سي آي أيه» كبش فداء لأخطائها. وأخيرا، فتقييم الخبرة لدى إدارة بوش، ليس لما تقدمه من دلائل، كي يتم بها تصحيح المسار، بل لأغراض دعائية. لكن لا يستطيع أحد في البيت الأبيض أو الكونغرس، أو ضمن البلدان المشاركة في التحالف ، أن يزعم بأنه لم يتم التنبؤ بالكارثة من قبل أفضل العقول الفكرية، والتي جرى تكليفها وتشغيلها من قبل البنتاغون نفسه، وباستدعاء نلك الإشارات، ربما يكون ذلك هو المرة الأخيرة لهكذا جهد.

* احد كبار مستشاري الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون خدمة «الغارديان» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)