يحدث في مصر المحروسة

TT

ما شهدته مصر خلال الايام الماضية وخلال هذه الايام هو امر خارج حدود المقبول، في مثل هذه الظروف التي تمر بها مصر والمنطقة، واقصد هنا ما يثار ويثور حول موضوع اسلام زوجة احد الكهان، تلك الحالة المتكررة على الجانبين والتي لم تستدع توقفا او نشوب ازمة مثلما حدث هذه المرة.

حكاية معتادة نسمعها في قرى ومدن مصر، عمن اعتنق ديانة اخرى او ملة اخرى وظلت هذه الحالات محل تداول وحكي بين الناس، ولم تزد ردود الفعل عن حدود الامتعاض احيانا، والغضب ممن قرر ان يتنازل عن دينه الى دين آخر او ملة اخرى من متبعي ذلك الدين او تلك الملة، ويتبع ذلك عادة محاولات لاقناع المتحول بالعودة الى دينه، وتنجح محاولات وتفشل اخرى، ولكن لم تصل الى ذلك الحد إلا مرات قليلة نستحضر منها ما حدث في نهاية السبعينات وكانت من بين الاسباب التي ادت الى ما اصطلح على تسميته بالفتنة الطائفية.

لكن، لماذا هذه المرة اخذت تلك القضية ابعادا تجاوزت المعقول، ومن يتحمل تلك المسؤولية، هل هي الدولة ممثلة في اجهزتها السياسية والامنية التي لم تتجاوب بسرعة كافية مع مثل هذا الحادث لوضعه في حدوده الحقيقية، ام هي الكنيسة التي تعاملت مع هذه الحالة بقدر اعلى من الحساسية، نتيجة ان هذه الحالة ترتبط بزوجة احد رجال الكنيسة، ام انها اجهزة الاعلام التي تعاملت مع هذا الحادث بأحد اسلوبين، اما التجاهل التام، او النفخ في الجمرات المشتعلة؟

اظن ان كل هذه الاسباب مجتمعة اضافة الى الاجواء العامة، صالحة لان تكون تفسيرا لما حدث، فوفقا لما هو معلوم فان هذه القضية تتفاعل منذ عدة اسابيع، ولم يتم ابلاغ اسرة السيدة برغبتها بسرعة، ولم يتم اتخاذ الاجراءات المعتادة في مثل هذه الظروف، بل تركت الامور لتعالج بنفس المعدل الوقتي المعتاد في مثل هذه الاحوال، واظن ان هذا يعد تقديرا خاطئا للامور، حيث ان الوضع هذه المرة مختلف عن كل المرات السابقة، نظرا لكون السيدة زوجة رجل دين، وبالتالي كان الحل الاوقع هو التحرك بإيقاع سريع.

على الطرف الآخر يبدو ايضا ان الكنيسة تعاملت مع هذه الحالة ـ رغم تكرارها ـ بقدر اعلى من الغضب والحساسية، وهو الامر الذي انعكس على رد فعل اتباعها في اماكن مختلفة، وترك الامور لتتفاعل وتخلق تلك الاجواء التي عاشتها القاهرة خلال الايام الماضية، وليستغل الحادث من اجل التصعيد وطرح قضايا هي من الهموم الوطنية الداخلية باعتبارها مظالم، واتخاذ حادث متكرر على الطرفين فتيلا لاشعال فتنة لا يوجد من المعطيات ما يبرر حدوثها.

كما انه عندما يذهب شباب الاقباط الى الكنيسة للاحتجاج على أي أمر هو في اعتقادي توجه خطأ، لأن هناك اماكن اخرى يمكنها الاستماع الى احتجاج الجماهير، اما الكنيسة ـ او المسجد ـ فكلاهما دار للعبادة واقحامه في أمر كهذا هو سعي من قبل البعض لأن تلعب دور العبادة دورا سياسيا، هو ليس دورها، وهي ليست منوطة به، ولا اعتقد انها تحتاج الى القيام به.

الامر الأكيد انه لا علاقة لأي جهة بهذا الموضوع رسمية او شعبية، والأمر الآخر المؤكد ايضا ان هذه الحالة وما يشبهها من حالات متكررة ـ وأكرر ـ على الطرفين لا تحظى بأي تشجيع، بل تظل في حدود الحرية الشخصية، وينبغي لها ان تظل كذلك، واي استخدام سياسي او اجتماعي لهذه الحالات هو الخطر بعينه.

ما استوقفني واغضبني، واظن انه يغضب كل حريص على وطنه وناسه بأطيافهم وأديانهم، هي تلك الهتافات والكتابات التي تستدعي الخارج للتدخل لرفع المظالم المزعومة او الحقيقية الواقعة على الاقباط، هذا الاستقواء بالخارج لتحقيق مكاسب في الداخل هو آفة بدأت تستشري في مجتمعاتنا، هذا الاستقواء ان اتى بنتيجة فلن يستثني من دفع ثمنها ايا من ابناء الوطن كلهم.