أينما تولوا فثمت قرف العراق

TT

أصبح العراق موضوعاً مزعجاً للنفس مثيراً للأعصاب مضراً بالمعدة وأنا كواحد من ازمن «الممعودين» اخذت اتحاشاه. واذا استمر الوضع فسأتحاشى حتى صديقي المشاور القانوني خالد عيسى طه. فكلما جلسنا نستملح بآخر النكات واحاديث الحب والجنس، جاءنا بعريضة طولها متر ونصف المتر للتوقيع عليها بشأن الانتخابات. قلت له يا عزيزي أبو خلود، ألم يعلمك أستاذنا والدك شيئاً عن آداب الطعام والمائدة؟ أمامنا كل هذا الكباب اللذيذ والكبة الموصلية وتنغص علينا الأكل بمواضيع العراق وكره العراقيين لبعضهم! وهكذا فعندما دعاني المهندس مزاحم القاضي لوليمة غداء، قلت له على شرط ألا تدعو معنا خالد عيسى طه، فهذا شخص يقطع الشهية ويقبض النفس وأحيانا يسبب الاسهال بكل هذا النقاش عن احوال العراق ومستقبله.

بيد أن ما يفعله بي ابو خلود لا يقاس بما يفعله بي موزع الجرائد، لقد شقيت لمدة طويلة بما تورده صحيفة الاندبندنت في تقارير سوداء عن العراق فاستبدلتها بالغارديان. ثم لم أجد الغارديان أرحم منها فاستبدلتها بالتايمس على أمل ان تكون هذه الصحيفة منشغلة بأخبار الأسرة المالكة وسباقات الخيل وارباح الشركات ونحو ذلك. ولكنها خيبت أملي. افتحها فأجد مانشيتاتها كذا قتيل من الشرطة العراقية وكذا مخطوف من العاملين الاجانب، مرغريت حسن تلقى حتفها وكل هذه الفجائع والمصائب. فكرت بأن ألغي اشتراكي في الجرائد وأتوقف عن قراءتها. ولكن أم نائل تمسكت بحرية الفكر وحقها في القراءة. ولئلا يقال بأنني اتجاهل حقوق المرأة لم اجرؤ على الغاء الاشتراك واعتبرته واحداً من مئات الواجبات البغيضة المترتبة على الزوجية.

تركت الجريدة لها عاقداً العزم على تحاشيها. ولكن ونحن في بيت واحد لم يكن ذلك سهلاً. اجلس لتناول الفطور فأجد الجريدة على المائدة أو الكرسي بعنوانها «90 طفلاً ضحية عملية فدائية في بغداد». فيتنغص عليّ فطوري وأقضي النهار مكتئباً متوتراً. فالافراط في الحساسية مصيبتي كل حياتي.

قلت لها: «اسمعي يا عزيزتي لا تضعي الجريدة أمامي. اقرأيها في المرحاض». سمعاً وطاعة. ولكن ما العمل مع موزع الجرائد؟ فكلما خرجت مبكراً وجدته وضع الجريدة على عتبة الباب تطالعني «تفجير مقر الأمم المتحدة في بغداد». قررت تفادي ذلك بالخروج من الباب الخلفي ولكن لا أدري كيف اكتشف الموزع ذلك فأخذ يدخل الحديقة ويضع الجريدة هناك. لا أدري ما أفعل. فكرت بحفر خندق من الصالون إلى الشارع المجاور. ولكنني اكتفيت في الاخير بالقفز من شباك المطبخ إلى الحديقة ثم الخروج من باب الكراج.

سيقول القارئ كما قالت زوجتي: اذا لم تكن تقرأ اي تقرير أو خبر عن العراق فكيف تكتب عنه؟ الموضوع بالنسبة لي لا يتطلب قراءة أي شيء. أنا أعرف العراق من أيام سومر وبابل. ابناؤه يتعاركون. كلما ظهر إمام صالح بينهم قتلوه. كلما من الله عليهم بنعمة جحدوها ودمروها، لا راحة لهم حتى يظهر فوقهم حجاج ثان. ما الداعي لقراءة أي شيء عنهم؟