كيف سنكون بعد 15 عاما؟ (3ـ3)

TT

أمس كنت ضمن المتحدثين الأخيرين في المنتدى العربي الاستراتيجي. وتحت عنوان جذاب، «سقوط وصعود الدول والمؤسسات». ولا يمكن لأحدنا ان يقدم استنتاجات حول هذا الموضوع، من دون ان يمر على ما قيل في كل ندوات المنتدى، فهي تؤدي للنجاح او للفشل. فسقوط الأنظمة يكون غالبا نتيجة جملة أسباب مضافرة، وإن كانت هناك دائما طعنة واحدة أخيرة. فالبيروقراطية المقيتة، والقنبلة البشرية، وعجز الموارد، وتنامي الفقر، واتساع نطاق الجهل، والفساد، والقمع، كل ذلك يهيئ للانحدار السريع. اي عندما يكون هناك مرضى بلا أسرة علاجية، وطلاب بلا مقاعد، وخريجون بلا وظائف، ينتقل التململ الى اضطرابات جماعية، يصعب على اي نظام ان يعالجها في ساعتها الأخيرة.

وفي الخمسة عشر عاما الماضية شهدنا سقوط أنظمة، ولا تزال نتائجها مؤلمة حتى اليوم، كالصومال والعراق. ومع ان كثيرين يتخوفون من العامل الخارجي، كالغزو الأجنبي، او الهيمنة الثقافية تحت لحاف العولمة، إلا ان هذه لا تستطيع ان تؤثر كثيرا اذا كان النسيج الاجتماعي والسياسي الداخلي متماسكا، وبالتالي يُفترض أن يوجه الانتباه أولا لورشة العمل الداخلية، لا الى لوم الغير. وانا اعتقد ان الانظمة العربية، رغم عيوبها الكثيرة، تتصرف عادة في لحظة الخطر، بحس سياسي، لتدارك ما قد يكون فاتها، لكنها قد لا تتمكن من ان تفعل ذلك مع مرور الوقت، بسبب تزايد السكان وتناقص الإمكانات.

ونحن نحب ضرب الأمثلة بتجارب ناجحة في العالم، للتأكيد على ان النظريات السياسية الاجتماعية المقترحة ليست بمستحيلة. أمامنا سنغافورة وماليزيا وتايوان وكذلك الهند. وأمامنا تجربة دبي التي تبرهن على ان الادارة المحلية السليمة، قادرة على تحقيق معجزات. وأوافق على ما قاله فريد زكريا، رئيس تحرير «نيوز ويك»، إن تطلّع قطر وغيرها من إمارات الخليج الى منافسة دبي، سيكون لصالح دبي ايضا، ليحفزها على تقديم الأفضل ويوسع سوق الخدمات، ويعمم فكرة الادارة الحكومية الحديثة. ففي العالم العربي نحتاج الى تجربة ناجحة، لا اقتصاديا فقط، بل اجتماعيا وسياسيا، حتى يقلدها الآخرون.

هنا يأتي دور النخب العربية المسؤولة عن مراجعة أوضاعها المحلية، بحيث تعطي الأولوية لنقد محيطها إيجابيا، أي بروح بناءة. فان تسليط الضوء والتركيز على وضع بعينه، يستطيعان تغيير واقعه الى ما هو افضل. لذا، عندما طلب منا مدير الجلسة الدكتور غسان سلامة، ان نجيب بجملة واحدة، عن أي فكرة نقترح لتكون موضوع النقاش في منتدى العام المقبل قلت له: «كيف ننقذ حكوماتنا العربية من نفسها؟». فمن مصلحتنا جميعا، لا قرع الجرس فقط، كما فعلنا هذه المرة، بل ان ندلها على ماذا تفعل، مع تقديم النماذج الخاطئة للتشريح والجيدة لتعميمها.

[email protected]