الشرط الجائر

TT

في الأخبار ان تركيا الساعية للانضمام الى الوحدة الاوروبية بدأت في تنفيذ الشروط الموضوعة من قبل بروكسل، بمنع أكل الفوارغ. اي، حفظك الله، مصارين الغنم التي تُحشى أرزاً وتطعّم بالقرفة والبهار وجوز الطيب. وواضح ان هذا الشرط معيب، مثل المطالبة بوقف التعذيب في السجون. هذه سمات شرقية والشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا. ولا أحد منا يعرف الى أين قد يصل الأمر بالاوروبيين. غداً مثلاً قد يمنعون اكل «النيفا» او «النيفة»، أي رأس الخروف المشوي بالفرن. وهي أكلة شعبية في لبنان اختفت الآن للأسف. والوجبة الأكثر شعبية واحتفالاً عندنا كانت «الغمة» وهي تضم النيفة والكروش والفوارغ معاً.

ولا أحب ان اثير الفضائح في وجه أحد. لكن آخر مرة اكلت فيها «غمة» كانت قبل 30 عاماً، عندما قطعنا، امين معلوف وأنا، نصف جبال لبنان لنصل الى مطعم قروي لا يزال يقدّم الغمة بتفاصيلها. وقد تفرجت علينا الزوجتان من دون ان تغامرا في تذوق الممنوعات الاوروبية. وكانت في لبنان ايضاً مطاعم متخصصة في تقديم «المقادم» او (بالاسم الالطف) «الكراعين». وهذه غابت ايضاً مع الايام، مع ان لبنان لم يطلب الانضمام الى الوحدة الاوروبية. حتى الآن.

هناك انواع من الأكل هي صنائع الفقر والحاجة. ففي الماضي كان من اشترى خروفاً ان يأكله كله. فكانت الكراعين والنيفا والفوارغ، برغم ما يمكن ان تحمل من اضرار وجراثيم وخلافها. وفيما تمنع اوروبا اكل العصافير، باعتبار ان قتلها ممنوع وشيها ممنوع ورشها بالتوابل ممنوع ايضاً، فهي لا تزال طبقاً يغرّد له ويشدى في لبنان. وعندما يتصل بي منصور الرحباني بصوت 10 ميغاوات ليسألني: «شو طالع عَ بالك تتعشى بكرا» أعرف فوراً ان في المسألة أسراباً مسكينة من العصافير. وعندما رأت اسمهان العصافير لم تفكر في عشاء عند «الحلبي» بل غنت لها، اجمل ما غنت، «يا طيور». وغنت اسمهان لفيينا «ليالي الأنس». وغنى عبد الوهاب لزحلة والكرنك والبندقية. وغنى فريد الأطرش «بساط الريح» الذي نقله في البلدان العربية. وغنى المغنون القصائد والشعر وريم على القاع بين البان والعلم وغنت فيروز «القدس» ومكة كأجمل وأروع ما تغنى المدن وأم القرى. واليوم هناك آلة كهربائية واحدة وخلفها الف مغن ومغنية وبحبك لأ. بحبك ايه. بحبك ايه يما لأ يما ايه.

ومثل اغاني اليوم مثل حب هذه الايام مثل هذه الآلة الموسيقية المعبأة مثل علب التونا والسردين والبازلاء. وليس من الضروري ابداً ان يكون كل الغناء العربي «انت عمري» لكن ليس من الضروري ايضاً ابداً ان يكون كل الغناء العربي ملاحف وشراشف وارتماء على الرمل.

آه، عفواً، الفوارغ. قد يعتبر البعض ان منعها تدخل سافر في شؤون تركيا الداخلية. وان لبلاد الأناضول الحق في ان تأكل ما تشاء وكل ما تشاء. لكنني مطمئن الى ان الحظر جزئي. فعندما ذهبت الى بون وكولونيا آخر مرة قبل نحو 10 سنوات، كنت انزل الى ساحة المدينة اتنقل بين انواع واطياف اسياخ «الشاورما» التركية، بدل اضاعة الوقت في مطاعم الفنادق. يا لطيف. الشاورما، خارج الحظر.