أغلقنا.. ولم نغادر

TT

كنا أول صحيفة عربية تطبع في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، ليس رهانا على الحالة السياسية، ولكن من أجل القارئ العراقي. وعندما اتخذ القرار كانت الصحيفة تعي وتدرك أن مخاطر جمة سوف تعترضها بسبب الأوضاع الأمنية في العراق بعد سقوط النظام السابق. فكما يقال إن أول ضحايا الحروب هي الحقيقة، وكذلك الباحثون عنها، أي الحقيقة.

وهذا ما حدث اليوم لزملائنا في مكتب «الشرق الأوسط» في بغداد. فبعد التهديد الذي تلقوه من مجموعات إرهابية ، تريد أن تفرض علينا ما ننشره، وما لا ننشره، وتخضع الأخبار لمقاييس أهدافهم وتوجهاتهم، وتحديد أين نتحرك، وكيف نغطي الأخبار، لذلك رأينا أن نتخذ القرار الصعب بإغلاق مكتبنا هناك، لمدة زمنية نأمل أن تكون قصيرة جداً. لكننا بكل تأكيد لن نغادر العراق خبريا.

فالخبر العراقي كان ولا يزال همنا، ونحن حريصون على تقديم الأخبار العراقية، وتسليط الضوء على ما يهم القارئ العراقي والعربي ، في وقت يتعرض فيه العراق وأهله لظروف صعبة ومعقدة، تمس عالمنا. فمصادرنا متوافرة، وتواصلنا مع الأطراف العراقية لن ينقطع بكل الأحوال. كل ما في الأمر هو أننا قررنا تجنيب زملائنا في مكتب العراق الخطر، حرصا على سلامة أرواحهم، من أناس لا يجيدون إلا لغة القتل والتفجير والدمار، ويريدوننا لسان حالهم، أو يريدون منا السكوت مباركة على أفعالهم.

والحقيقة أن هذا ليس بالموقف البطولي، ولا هو بالهروب. فكثير من زملائنا الإعلاميين فقدوا أرواحهم هناك، وتعرض آخرون للإصابات والخسائر الجسيمة، وعطفا على كل ذلك ، جاءت فكرة إغلاق مكتبنا لفترة زمنية، ثم نعاود بعدها العمل هناك. ولن يترتب على ذلك بالطبع إيقاف الصحيفة عن الصدور في بغداد. كما لن يؤثر ذلك على الضوابط المهنية التي نتبعها في تغطيتنا الإخبارية ، بل نحن مصرون على تقديم الخبر العراقي بكل حيادية، وفق جهدنا، ولن نغلق ملفا إلا بعد استكمال جوانبه الصحافية ، إعلاميا كان أو سياسيا أو اقتصاديا. سنتابع كل ما يهم القارئ العراقي والعربي، كعادتنا.

الصعوبات التي تواجه العراقيين اليوم واضحة وجلية، ومهمة الإعلام هي تسليط الضوء على الجوانب الخفية التي تبدو كما لو أنها حلول، ولكنها أحد أسباب الأزمة العراقية. فمثلما أن وسائل الإعلام تتعرض للتهديد ويطالها ما يطالها من أعمال إجرامية، إلا أن بعض وسائل الإعلام كانت، ولا تزال ، مسرحا لمن يعبثون بأمن العراق والعراقيين. والأمر بكل بساطة هو لو أن وسائل الإعلام استجابت لكل تهديد ووعيد ، ونشرت ما يطلبه أصحاب البنادق منها، لبتنا لسان الشيطان، وحصان كل معتد.

لذلك نقول: أغلقنا مكتبنا، لكننا لم نغادر كصحيفة، فعلنا ما فعلنا من اجل حماية زملائنا في مكتب بغداد. لكن رسالتنا للقارئ العراقي مستمرة مع كثير من الإصرار، وعهد بالتزام المهنية التي نحرص عليها دائما. سنغادر، لكننا باقون في قلب الحدث.

[email protected]