أحداث أوكرانيا: المسمار الجديد في خاصرة روسيا

TT

ثمة سؤال : هل ما يحدث في أوكرانيا في الوقت الراهن صراع على السلطة بين فيكتور يوشينكو وفيكتور يانوكوفيتش؟ أم تراه بداية تحول ديمقراطي شامل وعميق؟ والسؤال الأكثر أهمية: هل هذه هي اللحظة التي قررت فيها أوكرانيا التحول صوب الغرب، والسعي للحصول على عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو) ثم الاتحاد الأوروبي، بعد ان عاش هذا البلد على مدى ألف عام في كنف روسيا؟

ليس ثمة شك في ان عام 2004 سنة كبيسة بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فهو العام الذي «خسر» فيه جورجيا وأوكرانيا، لصالح ثورات شعبية مناوئة لموسكو، كما انه عام يوكوم ومذبحة مدرسة بيسلان، مثلما هو أيضا العام الذي فقد فيه المصداقية على المستوى العالمي، رغم شعبيته في الداخل. هدف بوتين في أوكرانيا واضح ومنطقي، وهو مساعدة مرشح الرئاسة المفضل لدى موسكو، إلا أن سلوكه الشخصي رديء ومثير للارتباك. ومن هنا يجب على بوتين الآن، إما البحث عن سبيل للتراجع وتعلم العيش مع يوشنكو، او المخاطرة بالإضرار بعلاقاته مع الغرب، في حال محاولته تأجيج الانفصال في الجزء الشرقي من أوكرانيا، حيث يتحدث السكان اللغة الروسية.

وتكمن المفارقة في أن نهج بوتين الأخرق الذي تعوزه البراعة، ويتسم بأسلوب الحقبة السوفياتية السابقة، سيكون له أثر، على الأرجح، معاكس تماما لنواياها. فقد قال واحد من اقرب مستشاري يوشنكو متسائلا: «كيف نخاطر بأن نصبح عالقين بين الشرق والغرب، بعد ما فعله بوتين مسبقا؟»

وبسبب التعقيدات ذات الصلة بدمج اقتصاد بعض البلدان، ومخاوف الاتحاد الأوروبي تجاه سرعة نموه، من المعتقد ان تستغرق عملية حصول أوكرانيا على عضوية الاتحاد عشر سنوات على الأقل، ولكن روسيا ستعارض بالطبع، كما فعلت إزاء جولات سابقة لتوسيع حلف الناتو، خاصة فيما يتعلق بضم بولندا للحلف. ومن المهم أن نذكر في هذا السياق، ان التكهنات والمخاوف من وقوع كارثة، طبقا لما قاله عدد من المعلقين وشخصيات في الولايات المتحدة، كانت كلها في غير محلها، عقب انضمام المجر والجمهورية التشيكية الى الحلف عام 1999، كما لم تحدث كارثة، طبقا للتكهنات المشار اليها، عندما انضمت دول البلطيق وسبع ومن دول اوروبا الوسطى الى الحلف. إذن، لماذا لا تنضم أوكرانيا للناتو؟

طبقا لوجهة النظر الاميركية، يمثل حلف الناتو منطقة أمن رئيسية للولايات المتحدة في نصف مساحة العالم تقريبا، في الوقت الذي يتحرك فيه الخطر خلسة جنوبا وشرقا. وأوكرانيا، التي تعتبر جزءا حيويا، في التحالف العسكري الموالي للولايات المتحدة في زمن السلم، إذ تشارك بـ1600 جندي وضابط في العراق، إضافة فاعلة لجهود الأمن والاستقرار، في الجزء الشرقي من دول الحلف.

إلا أن التردد يظل احتمالا واردا من جانب بعض العواصم، خصوصا برلين، اذ أن من المتوقع ان تطالب بتأييد قوي من جانب واشنطن ومساعدة قوية من وارسو. وفي هذه الحالة، فإن عنصر السرعة يصبح أمرا مهما. وعلى الرئيس بوش ان يعترف، بأنه لم يحقق الكثير من علاقاته مع بوتين على مدى اربع سنوات، كما يجب ان يدرك اننا لا يمكن ان نسمح باتخاذ القرارات الخاصة بأمن أوكرانيا في موسكو. أما يوشنكو وزوجته (الأميركية من أصل أوكراني)، فسيسعيان الى توجيه دعوة رسمية الى واشنطن ـ بعد وقت قصير من تسلمه السلطة، ومن هنا يجب أن يحاط، وبمجرد وصوله الى السلطة علما، بأن الولايات المتحدة ستقود الجهود اللازمة للتوصل الى خارطة طريق، تبدأ رسميا في اجتماع الناتو الوزاري في ديسمبر (كانون الثاني) العام المقبل، وتنتهي خلال فترة عامين إذا سارت الأمور حسبما هو مخطط لها.

الى ذلك يجب ان يتم هذا السيناريو باستحقاقاته السابقة على نحو لا يجعل وارسو تنظر الى إجراء توسيع آخر لحلف الناتو في إطار حسابات روسيا، فيما يجب على أوكرانيا البحث عن سبل أخرى لإيجاد علاقة بناءة مع جارتها العملاقة. اما أهم الخطوات في هذا الطريق، فيجب أن تبدأ بانتهاج سياسة اقتصادية منفتحة على الجميع.

والشاهد هنا أن توسيع حلف الناتو بات مفهوما الآن، برغم كون هذه القضية كانت، وظلت شائكة ومعقدة عندما شرعت الولايات المتحدة وحلفاءؤها فيها في 1994-1995. أما الآن، وباستدعاء قراءتها، فيمكن القول إنها قد حققت نتائج ايجابية للولايات المتحدة وأمن أوروبا وأعضاء الحلف الجدد، فيما لم يدمر ان توسيع الحلف على العلاقات الغربية أو الأميركية مع موسكو. ربما يبدو الطريق طويلا مع كييف في رحلتها الى الناتو، إلا ان المتظاهرين الشباب قد بدأوا الرحلة بالفعل. فمنطق الوضع الراهن قد فرض تحولا ما لم يكن متوقعا الى الأمس القريب، ومن هنا تجب ملاحقة وقراءة تداعياته الحالية واللاحقة.

* السفير السابق لواشنطن لدى الأمم المتحدة

ـ خدمة «واشنطن بوست» ـ

(خاص بـ«الشرق الأوسط»)