رماة الأسماء

TT

ان كان القارئ الكريم الدكتور وليد حبي بعد دراسة في خمس جامعات لا يفرق بين جوليا كريستيفا ووارن كريستوفر فالذنب ليس ذنبه انما ذنب الجامعات التي درس فيها وجامعاتي ليست أفضل منها فانا درست في ثلاث جامعات فقط لكني لا أعرف الكثير عن النابغة الفرنسي جون جيلتير.

عموما معرفة الأسماء والزج بمناسبة ودون مناسبة بها ليست ثقافة بل تهمة، فالانجليز ان ارادوا الاشارة الى ضحالة الشخص وقلة معرفته وسطحية ثقافته وصفوه بانه (رامي أسماء) وهذه النوعية معروفة جيدا في العالم العربي وأصحابها يكثرون في الحفلات الدبلوماسية والصالونات الأدبية التي تتحول عادة الى مجال للاستعراض حيث يحكي كل حاضر لنفسه ونادرا ما يستمع للآخرين فان أراد الايحاء بانه مثقف التزاما بما تقتضيه الجلسة رمى اسمين أو ثلاثة من الاسماء الكبيرة ليثير الانتباه.

ومن الطبيعي في هكذا أجواء أن تهز بعض الحسناوات رؤوسهن أعجابا بالمثقف الفطحل وان يثني بعض المتفاصحين على ما قال لأن الذي يحفظ الاسم يتبعه عادة بقول قصير من المنسوب للمبدع المذكور ويا ويلك ان سألته عن أي شيء بعد الاسم والقول فالمعرفة عنده تنتهي هنا ومهمته بعد القاء الاسم ان يخلد الى الصمت ويقطف وهو يتظاهر بالتواضع نظرات الاعجاب بثقافته العميقة الرائدة.

في هكذا أجواء مألوفة ومعروفة لم أستغرب أن يقول القارئ حسين عبد الرزاق احمد مغتاظا في («الشرق الاوسط» 31 ـ 10): لم أفهم معنى للمثقف من خلال ما أقرأ سوى انه ذلك الشخص الذي يستخدم في مقالاته او قصائده الشعرية كلمات عربية ثقيلة الدم وغير مفهومة .. ثم يسأل جادا بعد أن فش خلقه بالمثقفين: هل هناك تعريف واسع لمعنى كلمة ثقافة أو مثقف بدلا من ذلك المعنى الضيق الذي تعمق في اذهاننا..؟

والجواب نعم هناك عشرات التعريفات تنتهي بسارتر الذي قال عن الدور ان المثقف هو ذلك الشخص الذي يتنطع للقيام بمهام لم يكلفه بها أحد، وتبدأ مع نشوء اللغة العربية فقد اشتق العرب الثقافة من اصلاح الاعوجاج (ثقف الرمح سواه وأصلحه) ولعمري يا حسين هذا أصدق وأدق تعريف لكننا اهملناه في غمرة المنثور والمشعور وجعل الجزء البسيط الصغير يحل مكان الكل الضخم الكبير.

العرب ومن كثرة ما كانوا يحبون الشعر أوشكوا أن يجعلوا الثقافة الأدبية هي الاساس مع أن التثقيف اصلاح للشخصية وتربية لها وغرس لحس التحضر فيها فكلمة ثقافة وحسب أصلها اللغوي تشمل كل علم وحكمة ومعرفة وخبرة ولباقة وحسن تصرف لكن هات من يستعيد ذلك المعنى العميق بعد أن اصبحت الثقافة عندنا حفظ قصيدتين والتفاصح في المجالس بقولين وكليشيهين وأسمين.

وبما أننا ذكرنا الأسماء لابد أن نعود من حسين الى وليد لنطمئنه أن معرفة الأسماء ليست ثقافة فلا تزعل على نفسك لأن كل من يقرأ هذا المقال لن يعرف من هو النابغة جون جيلتير الذي اخترعته لتوي على وزن موليير وفولتير لنتخلص من العقد التي زرعها المثقفون السطحيون ونسخر معا من رماة الأسماء الذين يتصدرون المجالس ويثيرون الضجيج لكنك ما أن تهزهم لتعرف ان كان بالقربة بعض الماء حتى يتكشف لك المشهد عن طلل خرب وصحراء خاوية.