الأب لا يعرف سر ابنه

TT

اكتشفت الولايات المتحدة فجأة على ما يبدو، ان نجل سعادة كوفي انان كان ضالعا في مكاسب «النفط مقابل الغذاء» التي تقول «نيويوركر» ان 20 مليارا منها ذهبت الى رئيس العراق السابق وولديه. والواضح، او الثابت، امران: الأول ان ابن صاحب السعادة غارق حتى ما فوق اذنيه، ولذلك اعتذر السيد الوالد بصوته الحزين عن رذالة الطيش. اما الثابت الثاني، فهو ان اميركا لا تنتبه الى الأمور الاخلاقية إلا حين يتحول الاباء الى خصوم. فصاحب السعادة في نهاية المطاف كان يحظى بالرعاية الاميركية منذ ان كان مسؤولا عن القوات الدولية في الامم المتحدة. وتحولت الرعاية الى تبنٍِِِِ مطلق عندما حل الغضب على بطرس غالي باشا لأنه فكر بشيء من الكرامة الانسانية بعد المشاهد المفزعة في مجزرة «قانا». يومها لم تعد المسز اولبرايت تقبل بأقل من نطح الباشا نطحة تودي به الى باريس. ويومها خالفت او قفزت سعيدة فوق مواقف 14 دولة في مجلس الأمن من اجل ان تطرد الباشا وتضع على رأس العالم اجمع موظفا متدرجا في المنظمة الدولية.

لكن في الآونة الأخيرة لم يعد كوفي يعرف حدوده. فهو مرة ضد الحرب في العراق في عز الحملة الرئاسية. ومرة يتفلسف بكل جرأة على موقف اميركا ناسيا هدير المسز اولبرايت من اجله. ولذلك تقرر ان يعطى درسا في الوفاء. و«فجأة» طالت الفلفشة ملف ابنه، الذي يقول الوالد، انه اخطأ عندما قبل العمل «مستشارا» لدى شركة سويسرية ترسل الى العراق ادوية وسكاكر وشوكولا باباً اول، وتستورد مقابله نفطا باباً ثانياً. وليس سرا على احد ان الشوكولا كان نقطة الضعف الوحيدة عند اركان النظام. والأستاذ عدي وحده، رحمه الله، كان يستهلك من هذه الصناعة السويسرية الواحا كثيرة. وأشهر وزير اعلام عربي في الحرب والسلم، الاقليمي والعالمي، محمد سعيد الصحاف، الذي كان معروفا عنه قساوته وغضبه الدائم وأخيرا قاموسه المثير، هو ايضا كان يبتسم لذكر الماركات السويسرية اللذيذة. وانصافا للرجل الذي حوله الخوف الاكبر الى مثال مذهل للطلاقة الفضائية، فجميع رفاقه يعرفون انه لم يجن من هذه الصورة شيئا لنفسه او لعائلته حتى يوم اصبح من الممكن نقل الوية عسكرية بكاملها بالفساد والرشوة وقهر العوز والفقر.

حرم القانون الاميركي البيت الأبيض من تعيين وزير متهم باخفاء خادمة لديه بصورة غير شرعية. صحيح. هذه اهمية القانون في الغرب. لكن الدستور الاميركي لم يحاسب جورج بوش لأنه رفض توقيع معاهدة كيوتو حول التلوث الكوني او المعاهدة الدولية حول محاسبة الجيوش في الحروب. وذلك كما في قول شاعر، قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر. على ان الهرطقة الاميركية لا تلغي ان ابن صاحب السعادة شريك في رشوة تاريخية. وان الرشوة حلت عليه ليس لأنه ابن كوفي انان، من غانا، وطن كوامي نكروما، الأستاذ في اميركا الذي اصبح رئيسا استقلاليا والذي عاد فأصبح ألد اعداء اميركا عند الاختلاف على الأمور وسريره الذهبي الخالص. اطلنا الجملة. اعذرونا. ليس لأنه نجل كوفي، بل لأنه نجل سعادة الأمين العام، الذي اعتذر. بصوته الحزين. لم يكن يعرف ان ابنه مستشار لشركها سويسرية. عفوا.