الاعتراض ممنوع... والعتب مرفوع

TT

علينا الاعتراف بأننا نعيش في «زمن مش ولا بد»، كما يقول اخوتنا الظرفاء في مصر.

وبما أن الشيء بالشيء يذكر تذكرت بالأمس وأنا اتفكر بالوضع العربي العام، فيلماً مصرياً قديماً يملي فيه أحدهم شروطه على شخص كان قد أوقعه مملي الشروط في ورطة. ومما قال له ليس أمامك الا ان ترد عليّ بكلمتين ..«اما آ ...واما أيوه».

هذا بالضبط هو حالنا اليوم فليس لنا الا ان نرد على ما حولنا الا بـ«آ» او بـ«أيوه».

ففي الأراضي الفلسطينية المحتلة قامت القيامة وانتصب الميزان عندما أعلن مروان البرغوثي نزيل سجون اسرائيل «لمئات من السنين» (وفق الحكم عليه) قراره بالترشح لانتخابات رئاسة السلطة الفلسطينية. وطارت المناشدات والانتقادات والتهديدات وكادت تصل الى حد التخوين. فكيف يمكن لشخص ان يتحدى قرار حركة أو حزب؟ كيف يجوز لشخص ان يكون لديه تفسير او فهم معين لقضية ما؟ العياذ بالله وألف العياذ بالله. أما ان تُطمس السياسات وتغيّب (بفتح الياء) المواقف... فلا بأس في ذلك. المهم ان يكون «كرنفال» الديمقراطية مضبوط الايقاع ومحسوم النتيجة حتى لو كان الناخب ممنوعاً من التصويت لمن يريد التصويت له.

في لبنان أيضاً، انزلق الردح الى مستوى قل نظيره حتى بمقاييس الجدل السياسي المألوف عند بعض الجماعات، وأخذ أبعاداً مخجلة لمجرد ان الاعتراض ممنوع. ممنوع التصويت بـ«لا»...ممنوع الاعتراض على التدابير الانتقامية والكيدية... ممنوع بناء جبهة معارضة لها طروحات عقلانية معتدلة متفقة على قاسم أدنى مشترك.

ولكن ما لنا وأبناء فلسطين ولبنان. فالحالة ليست أفضل بكثير في أقوى قوة في العالم، في الولايات المتحدة نفسها.

ألم تشكك بعض أبواق المحافظين الجدد بـ«وطنية» منافسي الرئيس جورج بوش من الساسة الديمقراطيين؟ ألم تجند الحملات لتلطيخ سمعة كل من يتحفظ على سياسات الإدارة والطعن أما بشجاعته او التزامه بأمن المواطن الأميركي أو حرصه على سمعة أميركا في الخارج؟

ولماذا نبتعد كثيراً؟ هل باتت محطة تلفزيون صغيرة مثل قناة «المنار» الفضائية التابعة لـ«حزب الله» اللبناني حقاً بعبعاً يهدد الأمن الدولي ويبشر بـ«الإرهاب؟» ان قرار واشنطن إدراج هذه القناة الفضائية ضمن قائمة المنظمات او المؤسسات «الإرهابية» ـ بعدما منعت فرنسا بثها لاعتبارات معروفة ـ خطوة يفترض أوفق أي مقياس حضاري أنها تخالف حرية التعبير والحريات الإعلامية. ولكن من الواجب الإقرار اليوم ان المثاليات شيء والواقع شيء آخر.

اذ من السذاجة ان نستغرب اليوم تضييق الإدارة الأميركية على منبر إعلامي لمنظمة ألصقت بها واشنطن تهمة «الإرهاب» منذ زمن طويل. فتعامل الإدارة الأميركية ـ وأيضاً عدد من الحكومات الغربية الحليفة ـ مع موضوع الحريات العامة فوق اراضيها وبحق مواطنيها بعيد كل البعد عن الإنصاف والنزاهة والشفافية والمساءلة منذ إعلان الحرب على «الإرهاب». وعليه «فمن ساواك بنفسه ما ظلم» كما يقال.

والشيء نفسه طبعاً ينطبق علينا في ديار العرب والمسلمين، حيث يستحيل حتماً ان نريد لأخوتنا ما هو أفضل مما نطبقه على أنفسنا من فنون التسلط والمصادرة والالغاء والتمييز والمحسوبية والفساد والمزايدات المبدئية ...الكذابة.