تركيا الأخرى.. خارج نمطية البرقع.. واعتراض القذافي

TT

عندما شاهدت صورة تمثال «حورية البحر الصغيرة» ـ الرمز الوطني للدنمارك ـ وهي مغطاة بالبرقع وفوقها وشاح، كتبت عليه «تركيا في الاتحاد الاوروبي؟»، احتجاجا على انضمام تركيا للاتحاد الاوروبي، بدى لي ان الزعيم الليبي معمر القذافي ربما يكون وراء هذه العملية التي تعرض لها تمثال حورية البحر بالعاصمة الدنماركية، في موقع يعتبر منطقة جذب سياحي، والتي تصادفت مع اجتماع قادة الاتحاد الاوروبي في بروكسل يوم الخميس الماضي، للتوصل الى قرار بشأن تحديد موعد للمفاوضات مع تركيا بشأن انضمامها للاتحاد.

ويأتي تصوري أن القذافي ربما يكون وراء ذلك، من تصريح له خلال لقاء نشر في نفس اليوم الذي التقى فيه قادة الاتحاد الاوروبي، وقد حذر فيه من ان السماح لتركيا بالانضمام الى الاتحاد الاوروبي، يعني انها ستكون مثل «حصان طروادة» بالنسبة لمتشددين مثل اسامة بن لادن.

قال القذافي في اللقاء المذكور ان مسلمين، بمن في ذلك متطرفون، وحتى اسامة بن لادن، اعربوا عن فرحهم ازاء محاولات تركيا دخول الاتحاد الاوروبي، وأضاف ايضا ان تركيا ستكون بالنسبة لهم مثل حصان طروادة.

ولكن لحسن الحظ تجاهل القادة الاوروبيون نصيحة القذافي، وتوصلوا الى قرار ببدء المفاوضات الخاصة بدخول تركيا الى الاتحاد مطلع اكتوبر (تشرين الاول) من العام المقبل. وليس هناك ضمانات بالطبع على حصول تركيا على عضوية الاتحاد الاوروبي، والتي ظلت تنتظرها على مدى عقود، إلا ان الخطوة الاخيرة تعتبر ابرز مؤشر ايجابي على ان اوروبا، بدأت تتعامل بجدية مع السماح لدولة مسلمة بدخول اتحادها.

أيا كانت الجهة التي وقفت وراء وضع البرقع على تمثال حورية البحر، فإن هذا السلوك يعبر بوضوح عن فهم خاطئ. فالذي لديه حد ادنى من المعرفة بتركيا، يدرك تماما ان النساء هناك لا يرتدين البرقع (ارتداء البرقع واحد من التعميمات المخلة والخاطئة حول المرأة المسلمة)، ذلك ان واحدا من اسباب كراهية الاسلاميين لتركيا، هو انها حظرت ارتداء الحجاب في المباني العامة والمدارس. ولا يكره الاسلاميون تركيا بسبب علمانيتها فحسب، او بسبب علاقاتها الوثيقة مع اسرائيل، وإنما ايضا بسبب أي تقارب بين العالمين الاسلامي والدول الاخرى، بين الشرق والغرب بين «نحن وهُم».

والى ذلك، واذا قرر الاتحاد الاوروبي عدم قبول عضوية تركيا، فسيقفز الاسلاميون الى خلاصة ان هذا الرفض يأتي دليلا على ان اوروبا والغرب بصورة عامة يكرهان المسلمين.

وتدرك تركيا جيدا غضب وعنف الاسلاميين، وتحاول السلطات التركية التوصل الى ما إذا كان لتنظيم «القاعدة» بقيادة اسامة بن لادن، أي دور في الهجمات التي استهدفت اسطنبول العام الماضي، وأسفرت عن مصرع 60 شخصا في كنيسين يهوديين وقنصلية بريطانيا والمكاتب الرئيسية لمصرف اتش اس بي سي البريطاني.

وعودة لتعليق القذافي، فهو يساهم في تأليب الاحزاب المحافظة المعادية للمسلمين في اوروبا، والتي تشعر بالفزع ازاء فكرة دخول دولة مسلمة الاتحاد الاوروبي. هؤلاء المحافظون، شأنهم شأن الاسلاميين، يشعرون بارتياح اكثر تجاه التصنيفات القائمة على اساس «نحن وهُم»، ولا ينظرون الى المسلمين سوى انهم مهاجرون فقراء سيدمرون المجتمع الاوروبي مستقبلا.

ولا تريد المجموعات المعارضة لانضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي ان تنظر الى تركيا كدولة مستقرة، تنتهج نظام اقتصاد السوق، فضلا عن الخطوات الكبيرة التي اتخذتها باتجاه تحسين سجلها في حقوق الانسان. ولا يزال مطلوبا من تركيا فعل المزيد في هذا الجانب، خصوصا في ما يتعلق بالأقلية الكردية. ولكن يبدو ان المحافظين، الذين يغلب عليهم التوجه اليميني والنزعة العنصرية، لا يريدون النظر الى هذه المؤشرات الايجابية على الجانب التركي، فيما كانوا قد أعربوا عن ارتياحهم عندما قبلت عضوية الدولة الشيوعية السابقة في الاتحاد، لكنهم يعارضون انضمام تركيا بذريعة التكلفة العالية لانضمامها، رغم ان مستوى دخل الفرد في تركيا اعلى منه في رومانيا وبلغاريا، وعلما بأن مفاوضات انضمامهما قد اكتملت ويتوقع دخولهما الاتحاد عام 2007.

من الواضح ان في تماشي القذافي مع موقف اليمين الأوروبي رسالة لأميركا وأوروبا مفادها أنه الزعيم العربي الوحيد الذي يمكن التحدث والتعامل معه، حتى اذا كان ذلك يعني الإدلاء بتعليقات مخالفة للواقع، برغم أن هذا في حد ذاته ليس بالشيء الجديد.

ولا يعني ذلك بالطبع التقليل من شأن المشاكل التي تواجهها تركيا، في وقت يشعر فيه الشعب التركي بنفوذ الجيش وتاريخه الانقلابي من ناحية، وبنفوذ الجماعات الاسلامية السياسية من الناحية الاخرى. كما لا أود التقليل من شأن عقود من العداء العنيف بين الدولة التركية والأقلية الكردية. إلا ان اوروبا لا يمكن ان تستمر في تجاهل تركيا، التي ظلت على مدى سنوات طويلة عضوا في حلف شمال الاطلسي (الناتو).

وتركز غالبية الجدل الدائر حول طلب تركيا الانضمام الى الاتحاد الاوروبي، حول مدى استعداد تركيا لأن تصبح جزءا من اوروبا. إلا ان ثمة جانبا آخر يجب وضعه في الاعتبار، فقد نشرت مجلة «دير شبيغل» الألمانية مقالا تناول سلبيات وايجابيات انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي، واختتم المقال بتعليق من كارل ثيودور زو غوتنبيرغ، العضو المحافظ وعضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني، قال فيه:

«إننا نتحدث كثيرا عن مدى استعداد تركيا، إلا اننا يجب ان نتحدث عن مدى استعداد الاتحاد الاوروبي لقبول تركيا، على النحو الذي يتوقع ان يتم به قبول عضويتها؟».

والسؤال: هل تكون اوروبا على استعداد للنظر الى المسلمين، من خلال عدسات خالية من الصور النمطية مثل البرقع؟

[email protected]