تأملات على سواحل عُمان.. الخنجر أو السيف

TT

واجهتُ مشكلة صغيرة بسبب الخنجر التذكاري الذي أهدي لي في عُمان، بسبب الحظر المفروض على ادخال الأسلحة إلى قمرة الطائرات. الخنجر بالطبع رمز وزخرف تقليدي لمعظم شعوبنا العربية والكردية ايضا، لاحظت أن شركة طيران عُمان نقشت على طائراتها هذا الرمز، لا شك انها فعلت ذلك قبل كل هذه المشكلات، والآن أصبحت الشركة تواجه شيئاً من النشاز، تعتز بالخنجر رمزاً لها، ثم تفتش زبائنها عنه، اعتقد أن المنطق يقتضي إما إزالة هذا الرمز، أو أن تكتب تحته «ممنوع ادخاله منعاً باتاً».

هذا في الواقع شيء مجد بالنسبة لشركة تنقل مسافرين غربيين، فهؤلاء القوم يعتقدون ان الخنجر سلاح الغدر، والسيف سلاح الفارس، ويقولون إن العرب يستعملون الخنجر ليطعنوا به خصمهم على حين غرة وعلى مقربة، على عكس السيف الذي يعطي الخصم مسافة وفرصة للدفاع عن نفسه، ومن المعتاد للفارس وهو يجرد سيفه ان يستنفر خصمه بكلمة «دافع عن نفسك»، وينتظر حتى يجرد الخصم سيفه ويستعد للبِراز.

الواقع، ان شعراءنا لوّحوا لهذا الفرق، فقال أبو تمام:

السيف أصدق أنباء من الكتب

في حدِّهِ الحدّ بين الجدِّ واللعب

بينما قال الجواهري في مناجاته لنهر دجلة:

يا سكتة الموت، يا إعصار زوبعة

يا خنجر الغدر، يا أغصان زيتون

بالطبع الخنجر بالنسبة لنا رمز تقليدي للشرق والرجولة، لكن الغربيين لا يفهمون ذلك، وهو ما وقع به أحد رجالات العرب عندما تخلف عن تسديد دين عليه لمسؤول بريطاني، ساورت البريطاني شكوك في صدق الرجل بالوعد بالتسديد، فنزع الرجل خنجره وسلّمه له قائلا «خذ هذا رهناً لديك»، ثارت ثائرة المسؤول البريطاني فقال له «أتعتبرني مغفلاً لهذا الحد؟، نطلبك كذا وكذا من الليرات وتعطينا خنجراً رخيصاً رهناً لها؟».

لم يتصور البريطاني أن ما فعله الرجل هو أن ارتهن شرفه وعزته وكرامته لديه، لكن تعال يا سيدي وفهّم حاج أحمد أغا ـ كما نقول في العراق ـ ان المسؤولين أهدوني هذا الخنجر تقديراً لي وحملته معي إكباراً لهم، وليس بيننا من ينوي استعماله ضد قبطان عربي لنخطف طائرته العربية، انه مجرد رمز لعزّتنا وكرامتنا.

جلسنا في طائرة طيران الخليج، فقدموا لنا عشاءنا مع أدوات من البلاستيك، هل آن لنا على هذا الغرار أن نصنع خناجرنا التقليدية ايضا من البلاستيك لنكفي شبهات الغربيين؟ ولمَ لا؟ فطالما لم يعد لدينا شيء من العزة والكرامة، فأعتقد أن خنجراً من البلاستيك سيكون خير تعبير يرمز لنا، فهذا ما انتهينا إليه: أوادم من البلاستيك الرخيص.