خيرية

TT

العمل الخيري السعودي بحاجة لتطوير، وهناك الكثير من الأطروحات النظرية التي قدمت لتبحث في «شكل» العمل الخيري السعودي الجديد المنشود ولكنها بقيت هكذا، مجرد أطروحات.

محاولات مختلفة لإرساء عمل خيري جماعي منظم، ولكنها ظلت في معظمها مبادرات وقتية وليدة الحماس. وهناك ملامح تميز تظهر في الأفق. ملامح تبشر بوجود شراكة بقيمة مضافة ما بين القطاع الاقتصادي الوطني الخاص وبين العمل الخيري المؤسسي وهو الذي يتم اليوم في مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة، فالذي يحدث في هذا المركز المهم هو نقل العمل الخيري من ثقافة التسول وطلب المال فقط الى فكر التطوير والتنمية البحثية لإحداث النقلة النوعية المطلوبة بقيمة مضافة ملموسة.

الإعاقة واقع موجود في السعودية يصيب الكبار والأطفال. والإعاقات متعددة ومختلفة ما بين إعاقات جسدية كالسمع والبصر والنطق، وذهنية وعقلية ونفسية، وكلها أسباب تعيق المصاب بها على حياة طبيعية.

ومسؤولية المجتمع تحويل هذه الإعاقة الى تحد يقدم عليه أكبر عدد ممكن للتعامل معه وجعل حياة المعاق «طبيعية» بتفعيل حقوقه ودمجه بشكل منطقي في بيئته ومجتمعه. فهذه ولا شك احدى علامات رقي الأمم وسموها وتطورها، وطبعا صلاحها.

ولعل الأهم في عمل المركز هو انه يقدم وبشكل عملي قراءة فعلية لحديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما يقول: «الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه»، وهذه النوعية من الأعمال الخيرية هي التي تمكن مختلف التيارات الاجتماعية من المشاركة في هدف واحد. فهي تستقطب الكوادر البارزة في عوالم الاقتصاد والطب والعلوم والاجتماع، وطبعا المسؤولين في القطاعات المعنية وتجمعهم نحو هدف نبيل ومهم.

والمركز يعتبر رمزا ينقل العمل الخيري في السعودية نحو آفاق جديدة. ومطالب بإحداث آلية محترفة للإفصاح المالي يتم فيها الإعلان عن وضع التبرعات وطرق الصرف وحق المصاريف الإدارية من النسبة الإجمالية.

ويحسب للمركز تكريم وإبراز هويات المتبرعين بشكل حضاري وجميل وطبعا من الممكن أن يطور هذا الأمر أسوة بما يحصل في العديد من المحافل الخيرية الدولية المميزة، والأمثلة في هذا الشأن معروفة.

وبات للمركز تواصل إعلامي متوازن، ولكن الخطوة المقبلة المطلوبة من المركز هو بالإضافة للسياسة المالية التي يجب أن يكون هدفها هو الشفافية الكاملة، وضع العامة والمتخصصين في صورة تطورات الأمور عما يحدث في الأبحاث واتجاهاتها، حيث أن ذلك سيزيل الكثير من الغموض عن أعمال المركز ويزيد من تواصله مع المجتمع.

لسنوات طويلة كان العمل الخيري السعودي يعاني من رتابة وتقليد مملين مكنا ضعاف النفوس من استغلال ذلك، والآن ووسط المطالب الاجتماعية المتزايدة سيزداد الطلب على عمل خيري مستدام ومؤسس، ويبدو أن مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة حقق المعادلة الصعبة المنشودة. وكل الأمل أن تستمر هذه التجربة في نماء بوعي ومسؤولية وأن يسعى لتقليدها آخرون.