قمة بوش وبوتين: حافة المصارحة والنفاق

TT

سيلتقي الرئيس بوش في فبراير (شباط) المقبل مع فلاديمير بوتين، في محاولة منه «لإنقاذ العلاقة الشخصية الجيدة»، بينه وبين الرئيس الروسي المحاصر والمفعم بروح التحدي في نفس الوقت، والتي يصر بوش على أنها موجودة، وأنه راغب في بقائها. وسيثير هذا الاجتماع الذي سيعقد في سلوفاكيا، كثيرا من الجدل حول سياسات الرجلين كل في بلاده، فعلى بوش أن يبرر اجتماعه مع بوتين رغم تدخل الرئيس الروسي في الانتخابات الأوكرانية، وملاحقته التي يشتم منها رائحة الفساد لشركة يوكوس، والتدهور المتصل في مستوى الشفافية والتعددية داخل البلاد.

ولكن اجتماع القمة يجب أن يحدث نتيجة لهذه الأحداث، وليس رغما عنها. إنها تضع بوتين في مفترق طرق، إذ يمكن أن يعترف بالواقع المشهود بأن أساليبه لا جدوى من ورائها، مما يستدعي تغييرها، كما يمكنه كذلك أن يواصل المسير على الطريق الذي اختاره والمؤدي إلى العزلة الذاتية وإلى التدمير النهائي لآمال وطموحات روسيا في أن تصبح جزءا من الاقتصاد العالمي ويعترف بها كعضو في نادي الأمم الديمقراطية.

ولذلك فدور بوش في مثل هذه الظروف هو أن يمارس ضغوطا بناءة على قائد أجنبي حتى يتوصل إلى الخيارات الصحيحة، وأن يطرح في هذا اللقاء تصورا واسعا للأمن العالمي، يمكن للولايات المتحدة وروسيا أن تتعاونا في إطاره. ولا شك أن بوش سيتعرض إلى كثير من السخرية داخل الولايات المتحدة، لأنه يرى الخير في طاغية روسي، خان الاعتقاد الأميركي في شفافية روحه وطبيعتها الخيرة.

ولكن بوش أبلغ الصحافيين في مؤتمره بمناسبة نهاية العام، والذي عقد يوم الاثنين الماضي، أنه لن يتخلى عن علاقة ظلت قائمة رغم خرق اتفاقية عدم انتشار الصواريخ البالستية، وامتداد الناتو إلى دول البلطيق، والنزاع حول الحرب الروسية ضد الانفصاليين الشيشان، والغزو الأميركي للعراق. وقال بوش: «تجمعني بفلاديمير بوتين علاقة شخصية جيدة منذ اجتماعنا في سلوفينيا في يونيو (حزيران) 2001، وأنا أرغب أن تبقى الأمور على هذا المنوال». ولكن بوتين سيواجه أيضا تساؤلات داخل روسيا حول استئناف الحوار الروسي ـ الأميركي على مستوى عال، غداة الجولة الثانية من الانتخابات الأوكرانية يوم بعد غد الأحد، وهي الجولة التي تشير التوقعات إلى فوز فيكتور يوشينكو بها. والى ذلك ففقدان أوكرانيا يمثل أكبر فشل لبوتين في ما يتعلق بسياساته تجاه الجمهوريات السوفياتية السابقة.

إلا أن الولايات المتحدة ومسؤولين أجانب، لاحظوا أن الكرملين غير موقفه خلال الأيام القليلة السابقة، وبدأ تفاهما مع واشنطن وبرلين حول تلافي الإضرار في أوكرانيا وغيرها. ولوحظ هذا الموقف أيضا في تغير لهجة بوتين، الذي صرح مؤخرا بأنه على استعداد للعمل مع يوشنكو، مؤكدا من برلين التي زارها، بأنه لا يرى مشكلة إذا فاز يوشنكو في الانتخابات المقبلة، مشيرا أيضا إلى انفتاح جديد إزاء مشاركة أطراف خارجية في التوصل لحل في الشيشان.

يقول مسؤول أميركي: «روسيا ظلت تردد قبل جولة الانتخابات الأولى في أوكرانيا أن أوكرانيا أمر يخص موسكو، وأن الأمور ستمضى على ما يرام، إلا أن هذه اللهجة تغيرت تماما، إثر تقييم موسكو للأضرار الناجمة ، وتوصلها لعدم جدوى دخولها في مواجهة مع واشنطن. ويرى نفس المسؤول الأميركي، أن بوسع روسيا التعامل بطريقة أكثر فعالية مع المشاكل التي تدفع جيرانها إلى النفور من نموذجها والتوجه لتعاون مع الغرب.

يمكن القول إن فضحية يوكوس، ومشاكل بوتين السياسية الداخلية، تكشف عن رغبة في الانتقام، من المحتمل أن تدفع بالعلاقات الاميركية ـ الروسية إلى مستنقع جديد، يختلف عن النهج الإيجابي الذي تشير إليه تلك الكلمات. ربما يكون بوتين قد وقف على حقيقة ما يمكن أن يحدث في أوكرانيا نتيجة الأحداث المتعاقبة، إلا أنه ليس هناك ما يؤكد الصورة التي ستستقر عليها نتيجة الأحداث فيها، وهذا في اعتقادي سبب كاف لبوش للتفكير في عقد قمة مع بوتين خلال جولته الأوروبية المقبلة.

* خدمة مجموعة كتاب «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»