العروبة المسكينة

TT

العروبة في خطر!

نعم في خطر شديد لدرجة ان حكومتي الأردن ومصر الشقيقتين أحستا بذلك ورفعتا الصوت مجلجلاً رغم اتفاقياتهما ومعاهداتهما السياسية والاقتصادية والتطبيعية المتواصلة مع اسرائيل.

العروبة في خطر شديد، أي والله، لأن ثمة مؤامرة «هلالية» ايرانية تزحف على العراق. وما أدراك ما الفارق بين زحف وزحف ... وبين «هلال خصيب» انجلو أميركي في خمسينات القرن العشرين و«هلال شيعي» في مطلع القرن الـ21!

العروبة في خطر ... صحيح. ولكن ليس فقط لوجود مطامع ايرانية في العراق وفي عموم الخليج ـ كم سمعنا وقرأنا عنها ـ، بل لأننا أيضا نعيش حقبة مظلمة داكنة انعدمت فيها الشجاعة وغابت الشفافية وسادتها المزايدات المكشوفة. فعندما حذّر كثيرون من مغبة الغزو العسكري الأجنبي للعراق .... تطايرت التهم راشقةً المحذِّرين، ومنهم شخصيات أجنبية شريفة وواعية، بتهم تتراوح بين قبض المال من صدام حسين الى التواطؤ مع «الارهاب» البن لادني. وعندما قال كثيرون منبهين ان كيانات الشرق الأوسط هشة، ومعظمها فاقد الشرعية، مصطنع الحدود، مفتقر الى التجانس الداخلي .... هب المسبحون بحمد «المحافظين الجدد» مثرثرين عن «ترياق» الديمقراطية وحقوق الانسان.

وعندما نصح المحللون المحايدون (وبينهم محللون أميركيون) باعتماد استراتيجية طويلة الأمد حكيمة لاسقاط الحكم الصدامي، تؤمّن انهياره أمام إجماع وطني عريض لا تحوم حوله الشبهات .... انتفض المتعجّلون والمطبّلون والمزمّرون ساخرين من أهمية توفير عنصر الاجماع الوطني، ومتجاهلين عن عمد اشارات الخطر، ومغفلين عن سابق تصور وتصميم الصورة الاقليمية المشبوهة المرسومة للمنطقة.

وحصل ما حصل فضربت السلطة المؤقتة بسيف قوات الاحتلال ...

ودخل العراق الكردستاني في حالة «الحكم الذاتي» الذي لا يمنعه اليوم الا «الفيتو» التركي والايراني من التحول الى حالة انفصال كامل. وتاه العراق السني في متاهة المقاومة المسلحة ولو تحت حراب الأصولية الجهادية الراديكالية. وجنح العراق الشيعي نحو لعبة انتظار انتهازية مفضوحة تواقاً لانتخابات يضمن فيها اغلبية «ديمقراطية» دائمة تعوضه عقود الحرمان من صولجان الحكم.

هذا «السيناريو» كان واضحاً للمحذّرين من مغامرة الاحتلال، ومع هذا فضل «عروبيو» هذه الأيام ان يكونوا شهود زور، فتحمسوا للتعاون مع الاحتلال، وقدّموا كل أسباب العون له ولرموزه.

ولكن ماذا عن ايران؟ صحيح، ماذا عن ايران؟

انها اليوم بصرف النظر عن وضعها الداخلي، ومن سيحكمها في الآتي من الأيام، إحدى أقوى قوى العالم الاسلامي المأزوم. ولقد كانت خلال العهدين البهلوي والخميني وما تزال لاعباً أساسياً في منطقة الشرق الأوسط. ولكن في ظل مخططات «المحافظين الجدد» الاقليمية في هذه المرحلة ترى ايران نفسها محاصرة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً. فكيف يجوز ان نفاجأ بمحاولتها كسر الحصار المفروض عليها ؟ وكيف تفوّت الفرصة عبر صناديق الاقتراع التي ليس بوسع حتى واشنطن التشكيك بشرعيتها؟

لقد صحت الآن فجأة بعض الأبواق العربية المهاجرة والمقيمة، التي باركت الاحتلال وما زالت تباركه، لتحذّر من ان ايران «أخطر» على العرب من اسرائيل!

مع غيرة من هذه الماركة، حقاً .... مسكينة جداً هذه العروبة اليتيمة.