سؤال حرج: هل نحن مستعدون فعلا للسلام؟

TT

خلال فترة عملي مراسلة لوكالة «رويترز» كنت اسافر من اسرائيل عائدة الى بلدي مصر. واعتدت ان يؤخذ جواز سفري في مطار القاهرة الى مكتب الأمن الوطني، وان انتظر السماح لي بمغادرة قسم الجوازات الى صالة الامتعة، ثم الخروج من المطار. في احدى المرات، بينما كنت انتظر جواز سفري، جاء ضابط شرطة ليبلغني ان حقيبتي موجودة في المكان المخصص لتسلم الأمتعة، فأخبرته انني يجب علي الانتظار حتى أتسلم جواز سفري أولا قبل اخذ أمتعتي. سألني الضابط الشاب عن الجهة التي اتيت منها، فأجبته: من اسرائيل. رد قائلا: «ألم تجدي من بين كل الدول السيئة التي يمكن السفر اليها سوى هذه الدولة؟»، قلت: «إنني اعمل صحافية». إلا انه لم يقتنع بهذا التوضيح، ولم يعتبر عملي كصحافية سببا كافيا، فهز رأسه باستياء واضح قبل ان يغادر المكان.

تذكرت حديثي مع ذلك الشرطي الشاب، ورد فعله، عقب حديث لي مع والدي أخيرا، حول المساعي الأخيرة لاستئناف محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مع وصول رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الى الشرق الأوسط هذا الأسبوع، ضمن جولة على بعض دول المنطقة، وجه خلالها مناشدة باستئناف محادثات السلام. قال والدي متسائلا: «ترى، هل نحن مستعدون للسلام؟ هل العرب والمسلمون على استعداد للسلام؟».

لقد وقعت مصر اتفاق سلام مع اسرائيل عام 1979، لكنه عرف بـ«السلام البارد»، بسبب عدم وجود اتصال يذكر بين شعبي الدولتين، فيما جعل احتلال اسرائيل للمدن والقرى الفلسطينية، من الصعوبة بمكان على المصريين قبول سلام كامل مع اسرائيل. كان عمر والدي خمس سنوات عندما أنشئت دولة اسرائيل، أي انه من جيل النكبة. وولدت انا عام 1967، أي انني من أطفال عام النكسة. وكلانا، جيل النكبة وجيل النكسة، نمثل غالبية العرب الموجودين اليوم والذين عاشت كراهية اسرائيل معهم طوال سنوات حياتهم. أتفهم بالتأكيد تأثير وحشية الاحتلال الإسرائيلي ولا اقلل بالطبع من شأن هذه المسألة. لكن، مع ذلك، اتمنى على القراء التحلي بالصدق وتوجيه السؤال التالي الى انفسهم: «اذا قامت دولة فلسطينية، واذا انهت اسرائيل احتلالها، واذا جرى التوصل الى سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، ترى هل نحن على استعداد بالفعل لهذا السلام؟».

هذه بالطبع اسئلة كبيرة، إلا ان هذا السؤال ـ على وجه التحديد ـ يجب ان يطرح، لأنه اذا ما تحقق أي سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وفي نهاية الأمر بين إسرائيل ودول عربية اخرى، فإنه سيظل سلاما بين الحكومات العربية والحكومة الاسرائيلية، وليس بين العرب والاسرائيليين. وقبل ان يبادر أي قارئ لتذكيري بالخطوات التي يجب ان يتخذها الاسرائيليون ليصبحوا على استعداد للسلام، أود التأكيد بأن وسائل الإعلام الاسرائيلية تتحمل هي الاخرى مسؤولية تجاه تشجيع جمهورها على توجيه سؤال مماثل الى انفسهم، أي ان يسألوا انفسهم ما اذا كانوا على استعداد للسلام مع العرب، خصوصا أنهم لم يعرفوا في معظم سنوات حياتهم سوى الحرب ضد العرب وكراهيتهم. لكن، بما أنني اكتب في صحيفة عربية فإن خطابي موجه الى قراء عرب.

اننا نتطلع الى عام جديد، ومن المرجح ان نشهد فيه تحركا في مسارات السلام العربي ـ الاسرائيلي، وينبغي على الحكومات العربية ان تواجه السؤال حول كيفية تهيئة شعوبنا للسلام مع اسرائيل. فبعد سنوات من استخدام النزاع العربي ـ الاسرائيلي مبررا لنقص الديمقراطية، أو غيابها تماما، ولصرف اهتمام الشارع عن السلبيات الداخلية، ترى ماذا ستفعل حكوماتنا إذا أنشئت دولة فلسطينية مستقلة تعيش في سلام مع اسرائيل؟ من الطبيعي ان الكراهية وفقدان الثقة لا يمكن التحكم فيهما بمفاتيح تشغيل، ومن هنا فعملية التخلص منهما ستستغرق سنوات طويلة.

قبل ايام، أوردت وكالة «اسوشييتد برس» ان رئيس منظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) وهو الأوفر حظا في تولي رئاسة السلطة الفلسطينية، اصدر توجيها الى وسائل الإعلام الرسمية بوقف بث المواد التي يمكن ان تحرض على الكراهية ضد اسرائيل. وقال مسؤول فلسطيني للوكالة ان البرامج التي تبث على التلفزيون الفلسطيني ستخضع للتسجيل والمراجعة، بدلا من بثها مباشرة على الهواء، فيما سيطلب من أئمة المساجد تجنب التحريض في خطبهم التي تبث على الهواء عبر الراديو وشاشات التلفزيون. وقال المسؤول ايضا ان المواد التي سيمنع بثها تشمل اناشيد منظمة التحرير الفلسطينية التي تحض على الثورة والتضحيات.

لنعقد مقارنة هنا بين هذا التوجه الفلسطيني وبين الدراما التلفزيونية التي يبثها التلفزيون الايراني، والتي تنقل مشاهد لشخصيات اسرائيلية تسرق عيون اطفال فلسطينيين لاستخدامها في عمليات زراعة العيون.

واذا حاولنا الاستشهاد بنماذج وتجارب اخرى، ترى كيف بدأ الكاثوليك والبروتستانت في آيرلندا تجاوز عقود من الكراهية والتوتر؟ وكيف تمكن الأوروبيون من تجاوز عقود من الكراهية، لينجحوا في النهاية في إنشاء الاتحاد الأوروبي؟ صحيح ان الامر لم يكن سهلا، ولكن المؤكد هو ان الحكومات الاوروبية ساعدت شعوبها على نسيان الماضي.

إن غالبية سكان الدول العربية الآن من الذين تقل أعمارهم عن ثلاثين عاما، وليس لدى هؤلاء ذكريات، كما هو الحال بالنسبة للأجيال السابقة، عن جيران يهود او جاليات يهودية عاشت في الدول العربية. ثم انه، للأسف، ترافق مشاعر الغضب الكبيرة بسبب النزاع العربي ـ الإسرائيلي، مشاعر معادية لليهود بين كثيرين في العالم العربي يخلطون بين اسرائيل واليهودية، ولذا فثمة سؤال آخر يطرح نفسه: «ماذا يجب ان نفعل لتجاوز مشاعر العداء لليهود؟».

أخيرا، من المتعارف عليه أن لإسرائيل أثرا على أي نقاش سياسي في العالم العربي. لقد كتبت في الآونة الأخيرة مقالا حول جنود أميركيين شكوا لوزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد، نقصا في المركبات العسكرية المدرعة، فوصلتني رسالة من زميل صحافي بعد اطلاعه على مقالي، قال فيها انه لا يشعر بأسف تجاه الجنود الأميركيين، في وقت يحرس فيه الجنود المصريون الحدود مع إسرائيل، مستخدمين مدرعات اقل من تلك المتوفرة للجنود الأميركيين، مشيرا الى أنه لا يمكن أن ينسى أن الجنود الإسرائيليين قتلوا ثلاثة جنود مصريين في منطقة الحدود قبل بضعة أسابيع. أتساءل مرة أخرى، وليست أخيرة: هل نحن على استعداد للسلام؟

[email protected]