ألوان من الاستبداد

TT

أحب دوما قراءة الدكتور فوزي الحاج وسماع أخباره، ليس لأنه من أصدقاء العمر الجميل في جامعة الإسكندرية فحسب، بل وأيضا لأنه وبصموده في غزة يذكرني قبل أن أفقد ذاكرتي بقدرة الإنسان العربي على الصمود في وجه أقسى الظروف والأهم من الصمود قدرته على الاحتفاظ بابتسامته في ظل أوضاع لا تشجع على غير النحيب والنشيج.

ومع الحب والإعجاب لا يمنع أن ألاحظ أن فوزي نسي في غمرة مقارناته غير العادلة بين السمكري والسياسي والعسكري أن يذكرني بمطلع لامية العرب للشنفرى الأزدي:

أقيموا بني أمي ظهور مطيكم

فإني الى قوم سواكم لأميل

لكنه والحق يقال لم يقصر في الباقي الذي يفي بالغرض وقبل أن أفتي في الاستبداديين و(أيهما أصعب..؟) لنقرأ معا رسالة الحاج الغزاوي المجاور للإمام الشافعي.

العزيز الفقير إلى الله محيي اللاذقاني

مقالك حول علاقة المال الجدلية بالسعادة «في انتظار جودو» ترك أثراً كبيراً في نفسي، ذلك أني وجدتك تتحدث عن معاناتي أنا أيضا، ولا شك أن الآلاف من القراء شعروا بالشيء ذاته.. ولكنك يا عزيزي أغنى بكثير مما تزعم؟

إن شخصاً يحوز محبة القراء لا يمكن أن يدّعي الفقر.. وإن شخصاً يملك هذه الابتسامة العريضة (التي ما إن أراها حتى أسمع الضحكة المجلجلة قادمة خلفها؟) لا يمكن أن يدعي الفقر؟

إن برودة لندن في الشتاء القارس خير ألف مرة من جحيم المستبدين الحار.

لا شك أنك تذكر جيداً تلك البدوية التي قالت بعد أن تزوجت معاوية ونقلها إلى «القصر الملكي» في دمشق:

لبيت تخفق الأرياح فيه أحب إلي من قصر منيف

ولبس عباءة وتقرّ عيني أحب إلي من لبس الشفوف

كما تذكر قول الشاعر :

ولي عن أرض المذلة مذهب وكل بلاد أُوطنت كبلادي

كما أن الفقر ليس كبيرة الكبائر وانتظار جودو السمكري ليس إلا مزحة بالنسبة للانتظار على الحاجز العسكري لساعات طويلة كي تذهب إلى عملك الذي لا يحتاج لأكثر من ربع ساعة بدون حواجز.

فوزي الحاج ـ غزة (فلسطين سابقا)

نعم أذكر لكن أجبني بالله عليك اذا كانت ميسون البدوية لا تحب سكنى القصور فهل علينا أن نعيش الى الأبد في الخيام يا صديقي..؟ ثم أنه على من قال لك إن السماكرة أقل استبدادا من السياسيين أن يصحح معلوماته فهو لم يجرب وكما تعرف «لا يعرف الحب إلا من يجربه.. ولا الصبابة الا من يعانيها».

في ظل الاستبداد السياسي أنت واحد من ملايين يقع عليهم الجور معك، واذا عمت المصيبة خفت وسهل تحملها مع الجماعة أما مع المستبد السمكري فأنت الجمهور والرعية والأمة وعليك وحدك أن تتحمل وتعاني وتقاسي دون كاميرات تنقل المعاناة ولا حق في التظاهر أو الاحتجاج ولا تنس ان المضطهدين سياسيا عندهم «أمنيستي» تدافع عنهم وأيضا المنظمة العربية لحقوق الانسان التي تحتاج الى من يدافع عنها، أما المضطهد سمكريا فليس عنده من يدافع عنه أو يتعاطف معه.

بقيت الابتسامة فهل نسيت وأنت أكثرنا حفظا لشعر الاستبداد الشطر القائل (..كالطير يرقص مذبوحا من الألم) وإن فاتك هذا فلا تنس اننا في زمن شر البلية الذي يجوز فيه للسياسي والسمكري ما لا يجوز لغيرهما من البرية.