مهزلة

TT

في عام 1986 كنت في زيارة لمكتبة أميركية وبحثت عن الكتاب الأخضر الذي ألفه القذافي. وكان أول قسم بحثت فيه هو العلوم السياسية ولم أجده ، ثم في قسم الشرق الأوسط ، ثم التاريخ ، ثم الفلسفة ، ثم... ولم أجده. فذهبت إلى الاستعلامات واستفسرت عن مكانه فقيل لي: نحن صنفناه هنا في الكوميديا، لأن ما به من كلام لا يمكن إلا أن يصنف بالهزل. وها هو القذافي يضيف فصلا جديدا من فصوله القذرة بمؤامرة لاغتيال ولي العهد السعودي ، مستعينا بالمهرج سعد الفقيه.

يجب أن لا نتغاضى عن هذا التصرف فالرجل حافل بالإرهاب ، فهو الذي قتل موسى الصدر ومنصور الكيخيا ودخل في حرب مع تشاد (طبعا لتحرير فلسطين!!) وحاول أن يجد (أي أحد!) ليقيم معه وحدة ، عربي ، أفريقي أو هنود حمر حتى بات أضحوكة للعالم ، ولم يكتف بهذا ، بل بدأ في عبث فكري وقام بتغيير علم واسم بلاده ، وكتب كتابا هو أشبه بطلاسم السحر والشعوذة وأطلق عليه اسم الكتاب الأخضر واعدا بأنه سيكون تحريرا للعالم.

وبدأ يروج له حتى أعلن عنه على قمصان فريق للهوكي بالدرجة الثانية بألمانيا! ولم يكتف بذلك ، بل أنه في ساعات «ملل» قام بتغيير بعض سور القرآن وأسماء الشهور وتأسيس تقويم جديد. ثم قرر بعد ذلك كتابة القصة القصيرة (واضح أن الملل قد أصابه وبشدة) ثم قرر أيضا إلغاء كرة القدم وطرد الفلسطينيين من بلاده ووضعهم في مخيم على الحدود (لتحرير فلسطين أيضا!!).

لا أعلق وأصف هذه التصرفات ، وذلك احتراما للقارئ ، ولكن إذا كانت للرجل أهواء شخصية في كلامه ومشيته وحراسته النسائية وأزيائه العجيبة وتسريحة شعره ونظارته الشمسية التي حولته إلى «فيديو كليب سياسي» فهذا شأنه ، إلا أن هناك «حدا» معينا يجب أن تنتهي معه هذه المهاترات السخيفة.

وإذا كان اريستيد الهاييتي ، وصدام العراقي ، ونورييغا البنمي أزيلوا من مناصبهم لأسباب ، منها أنهم كانوا ديكتاتوريين ولديهم سجل أسود من التجاوزات ضد حقوق الإنسان ، فالقذافي لا يقل عنهم تفوقا في تلك الأمور. وإذا كان عبد الناصر «أسكر» القذافي في يوم من الأيام حين قال له «إنني أرى فيك شبابي» فلا داعي لأن نتحمل سكراته هذه لليوم.

أتوسل للجامعة العربية ولكافة أعضائها أنه في حال تقدم ليبيا بطلب عدم تجديد عضويتها في الجامعة أو تهديدها بالانسحاب أن يقبل طلبها، فاعتقد أن نظام حكم يترأسه القذافي لا يستحق التعامل معه ، فلنقف على الأقل كسعوديين ، إذا لم نقل كعرب ، من دون تقبيل ومسح رؤوس ، وقفة صريحة ضد هذا الهزل.

هذه الممارسات الصبيانية لا مكان لها اليوم في زمن «عولمة وإصلاح!!» وإذا كان النظام الليبي قرر دخول السياسة العالمية عبر سيرك يكون فيه لاعب الأكروبات أو المهرج ، فلا داعي أن يكون باقي العرب طرفا في هذا الاستعراض الرخيص.

ورحم الله السادات حين قال واصفا إياه «الواد المجنون بتاع ليبيا». وختاما أوجه له نداء باللبناني العامي جدا: «يا معمر... حل عنا بقى!!».