لا للأميركيين في فلسطين

TT

هذه من المرات القليلة التي أستخدم فيها كلمة لا مع الاميركيين، ولها أسبابها التي أعتبرها معقولة. فوزير شؤون المفاوضات الفلسطيني صائب عريقات طالب بإقحام الاميركيين في مراقبة الانتخابات، وهم الذين لم يشككوا فيها أو يطالبوا بحضورهم. اقترح ان ترسل واشنطن جيشا من المراقبين لتعاين الحقائق على الأرض، وتعين على إجراء انتخابات نزيهة.

الفكرة ذكية، لأنها تفرض على الاميركيين دورا لا يستطيعون غدا التهرب من نتائجه، على اعتبار أنهم منحوا الانتخابات بركتهم، والحكومة المقبلة شهادة الولادة في مستشفى أميركي، وصاروا جزءا من العملية السياسية الفلسطينية، وربما كفوا عن تبرير ممارسات إسرائيل الخرقاء، بدعوى انها الديموقراطية الوحيدة في المنطقة. رغم كل هذه المزايا، تظل مشاركة الاميركيين محفوفة بالمخاطر امنيا وسياسيا.

امنيا، قد تتكرر مأساة قتل الموفدين الاميركيين الذين راحوا في عملية لا تزال أطرافها الفاعلة الحقيقية غامضة، والتي حوكم فيها مسرحيا أناس بدا واضحا أنه لا علاقة لهم بتلك الجريمة بل لفقت التهم ضدهم.

أما في الانتخابات الفلسطينية المقبلة، فلن يستطيع الاميركيون تقديم الكثير لسببين رئيسيين مرتبطين بالتنافس والنزاهة. نحن نعلم مسبقا حظ أبو مازن في فوز ساحق، وبالتالي لا معنى في ان ترسل مراقبين لمباراة معروفة نتائجها سلفا، ولا خلاف بين المتنافسين حول نزاهتها أيضا، حيث لم يطعن احد في تدابيرها أو يشكك في إدارتها.

والموقف الاميركي الجديد، كما التقطه عريقات، في غاية الايجابية، بدليل الحماس الذي أبداه البيت الأبيض بتخصيص سبعة مليارات دولارات، أي أكثر من ضعف المساعدات السنوية الممنوحة لإسرائيل، وأكثر عشرين مرة من المساعدات العربية للفلسطينيين. هدفها تهيئة الساحة الفلسطينية للحل السلمي الموعود، وتصحيح العلاقة السيئة بين الجانبين، بما يعني ذلك من تعزيز لوضع السلطة الفلسطينية، وتحسين حال المواطن الفلسطيني، والذي شهد خلال السنوات الأربع المنصرمة مآسي إنسانية أسوأ مما عرفها منذ نكبة 48.

إذا كان للأميركيين دور يمكن ان يلعبوه رقابيا، ويعفي الفلسطينيين مستقبلا من الشكوى الاميركية والاشتباك الإسرائيلي، فهو في الرقابة الداخلية للسلطة الفلسطينية نفسها. لهم ان يراقبوا التطوير الصامت للأجهزة الحكومية الفلسطينية، وتحديدا الأمنية والخدماتية. فهذه هي التي تستحق ان تحصل على رضا واشنطن، لأنها مصدر النزاع وتسببت في القطيعة بين الجانبين.