سرقة الكحل

TT

قرأت أن امرأة عادت من عملها فوجدت كلبها ممددا على الأرض لاهثا يكاد يختنق، فاستبد بها القلق فحملته إلى البيطري. فحص البيطري الكلب وقال للمرأة إنه سيدخل أنابيب في حلقه لمساعدته على التنفس، ونصحها بعدم رؤية هذا المشهد، وترك الكلب في عيادته والعودة إلى المنزل.

وصلت المرأة إلى منزلها فسمعت جرس الهاتف يرن بلا انقطاع، وإذ تناولت السماعة سمعت البيطري يقول لها محذرا: «اخرجي من المنزل فورا، واذهبي إلى بيت الجيران، واتصلي بالشرطة».

لقد عثر البيطري على ثلاثة أصابع بشرية عالقة في حلق الكلب، وخشي أن يكون الدخيل ما زال في البيت، وحين وصلت الشرطة وجدت في الخزانة رجلا فاقد الوعي وبلا أصابع.

وهذه نصيحة أقدّمها لكل لص يتسلل في آخر الليل لمنازل الناس: تأكد جيداً أن البيت خال من أي كلب حراسة، أما القط فلا خوف منه، وهو أحوج ما يكون إلى المداعبة.

ولكن هل يحق لي أدبا، وشرعا، ووطنية، أن أقدم نصيحة لأي لص مهما كان صغيراً أو كبيراً؟ أكيد لا يحق لي ذلك، بل إنني استحق أن أعاقب على فعلتي تلك لو فعلتها، وبما أنني للأسف قد فعلتها، فإنني على أتم الاستعداد لتحمل المسؤولية، رغم أنني الآن أمسح نصيحتي الخائبة، وأعتبرها (غلطة غشيم لا شاطر). وإنني من اليوم، بل من هذه الساعة، وهي العاشرة صباحا وخمس عشرة دقيقة، سوف أكون أعتى المحاربين للصوصية بكل ألوانها وأشكالها، المادية، والمعنوية، والفكرية، والعاطفية، وحتى (الجنائزية) منها ـ أي سرقات القبور!

سوف أحارب اللصوص بما ملكت يداي، وبما لم ولن تملكاه أبدا، ابتداء من قلمي (المنحرف) هذا، وانتهاء بالقنبلة الذريّة (دفعة واحدة).

فالعالم لا بد أن ينام وهو قرير العين غير جذلان، ولا بد للناس أن يتقلبوا في مضاجعهم بحرية بالغة، مهما كانوا يلبسون أو لا يلبسون البتة، فليس للحياة نكهة القهوة ـ التي أحبها ـ إذا كان هناك من يترصدني، وليس للكحل قيمة تذكر، إذا كان هناك من نذر نفسه لسرقته من العيون الجميلة.