وما يقوله خالد فتح الرحمن عن الحنفية

TT

أشرت يوم أمس الى التعليقات الكثيرة التي وردتني على هامش ما كتبت من مقالات عن سلطنة عُمان، وكان من أطرفها وأغناها علماً وتاريخاً، ما ذكره لي صديقي الأديب والدبلوماسي السوداني خالد فتح الرحمن، مواصلة لحلقة «ما قالته الحنفية لي». سألني هل تعرف أصل هذه الكلمة؟ قلت لا، لكنها تسمية غريبة، كيف جرى اشتقاقها؟ قال هذه ككثير من المصطلحات العربية العراقية، تعود لأيام الدولة العباسية، وحكايتها أن الخليفة قرر إقامة شبكة إسالة ماء تعتمد على سحب الماء من نهر دجلة إلى صهريج، ويسيل الماء منه في أنابيب لتزويد البيوت. ونصبت في كل بيت أداة لفتح الماء وغلقه. ثار الفقهاء وعلماء الدين على هذا الإجراء. اعتبروه بدعة وكل بدعة في النار، وبالتالي يعتبر أي وضوء يتم بهذا الماء وضوءاً باطلاً لا يصح لأداء الصلاة.

بيد أن أبا حنيفة، الذي كان يمثل ما نسميه في هذه الأيام بالاتجاه التقدمي أو اليساري في الإسلام، استنكر ذلك، ولم يجد في هذا الماء والجهاز الذي يحمله أي عيب أو خروج على الدين، وأوصى بصلاحه للوضوء، فشاع استعماله في بغداد، وتفضل القوم على إكرامه بتسمية الجهاز باسمه «حنفية»، وهو ما لا نفعله في هذه الأيام التي نزج فيها في السجن بأي عالم يبدع في شيء، ثم نسمي الشيء باسم رئيس البلاد، كما فعلوا عندما اكتشف أحد الأطباء العراقيين دواء للسرطان، فسمّوا الدواء «صدامين»، وسجلوه بالفعل بهذا الاسم، لم أسمع بعد عما فعلوه بالطبيب.

في الحقيقة أنني اكتشفت في هذا الصدد الآن، سراً طالما حيّرني أمره. لماذا قرر صدام حسين ضرب مدينة حلبجة بالأسلحة الكيياوية وأباد خمسة آلاف كردي بريء فيها؟ لم أفهم لماذا فعل ذلك. والآن وفي سياق حديثي مع زميلي عطا المفتي ان الأكراد لا يسمون الحنفية «حنفية»، إنما يسمونها «بالوعة»، وهي كلمة يطلقونها في تكريت على منفذ المياه القذرة وصهريجها. رأى في هذا الاستعمال اللغوي تحدياً لحكمه وللوحدة العربية، وهذه نقطة تجاهلها المؤرخون، فقد شكلت صفحة مهمة من صفحات مفاوضاته مع القيادة الكردية التي رفضت تعميم استعمال كلمة «حنفية» محل كلمة «بالوعة»، فضربهم بالأسلحة الكيماوية.

فضلاً عن ذلك اعتقد أنها كانت من أسباب هجومه على إيران، حيث رفضوا الأخذ بالمذهب الحنفي وأصروا على استعمال كلمة «شير». هذه جوانب كثيراً ما غابت عن انتباه الناس في مدى حرص صدام حسين على إعلاء شأن العروبة.