وساطة الجامعة

TT

في عملية حسابية بسيطة يتبين ان الامين العام للجامعة العربية الدكتور عمرو موسى، صرف الجزء الاول من ولايته في المواضيع الليبية: مرة بتوسل الجماهيرية الا تترك احضان الجامعة. ومرة، وقد تركت، يرجوها ان تعود. ومرة يحمل غيتارا تحت نافذتها ويغني: يا مسافر وحدك وفايتني! وكان الدكتور قد امضى هو ايضا السنوات الاخيرة من ولايته في الموضوع الليبي. مرة يحاول الغاء قرار مجلس الامن حول لوكربي، ومرة يتوسط، ومرة يقرّعه الاعلام الليبي لانه فشل، ثم يلف عباءته ويترك الجامعة. والمسألة نفسها حصلت في ما يعرف بالاتحاد المغاربي، رمز العلاقات الاخوية وحسن الجوار والتبادل المثالي. وآخر ما قيل انه اذا رفضت ليبيا رئاسة الاتحاد فلا اتحاد بعد اليوم ولا وحدة. ولا شيء.

الآن يتوسط الدكتور عمرو موسى في الازمة السعودية ـ الليبية.

وهذا حقه، او بالاحرى، دوره. لكن لم يقل الدكتور موسى الى الآن ما هي الاسس التي يبني عليها الوساطة، ولا الى اين يريد الوصول. فقبل ان يبدأ مثل هذه المهمة يجب ان يكون لديه معطياتها. والمعطيات هنا ليست الهذر العادي او المعهود، وانما مسألة شديدة الخطورة تتعلق بمحاولة اغتيال زعيم عربي كبير. فهل يعرف ان هذه المعلومات موثوقة ام لا، اذا كانت موثوقة، عن اي نوع من المصالحات يبحث؟ واذا كان يدرك ما يدركه الجميع، فما هو المخرج الذي يملكه دون سواه؟

لا يحق لأحد الاعتراض على بادرة فيها حسن نية. خصوصا اذا كانت لاصلاح شق آخر، في علاقات عربية متردية وعدائية ومليئة بالحروب والمؤامرات والابتزاز والسطوة والخواء من اي بادرة جيدة على الاطلاق. ونحن نعرف ان عمرو موسى يعرف اكثر من سواه بكثير. ويعرف خيوط المسألة منذ ان كشفت خلال قمة تونس.

وقد بذل يومها جهدا يائسا لانقاذ القمة من اخبار القتل وتحويل ملتقى الحكام الى مسرح جوال.

المسألة في الواقع، هي هذه: كيف نحمي ملتقيات الحكام العرب من مظاهر الفرجة المتعمدة. وكيف نحمي القمة، امام العرب والعالم، من صورة الخواء والسلوك المتوقع وتكرار المظاهر البهلوانية في الوقت الذي تركع الشعوب عند مصائرها وتتمزق افئدة الناس ولم يبق في ثوب الامة المهترئ قطعة بغير رتق. او يوم بدون مصالحة.

المسألة ليست في محاولة اغتيال، على كل ما فيها من فظاعة ودلائل. وليست في حماية زعيم عربي كبير من سلوك رئيس عربي آخر. المسألة هي انه حان الوقت لحماية نظام القمة نفسه. فلا تعود القاعدة هي استجداء الحضور وتحويل القمة في داخلها وخارجها الى تصرفات مخلة بأدبيات اللقاءات، بل العكس. اي وضع شروط واضحة للسماح بالحضور. ووضع اعراف وطنية وقومية للحد الادنى من السلوك المقبول. والا ما حاجة الناس والبلاد الى مشاهد تتكرر طوال اكثر من ثلث قرن، ليس فيها ابتكار واحد ولا فكرة جديدة واحدة من افكار العروض المستمرة؟ ولماذا تصر القمة على دعوة رؤساء يحتقرونها ويتعالون عليها ويتصرفون حيالها بازدراء مضحك ومعيب؟

لماذا الوساطة وعلى أي أساس، واذا كان هناك معتد ومعتدى عليه، فكيف ومن اين سيبدأ عمرو موسى محاولته؟ وتكرارا، على اي اساس؟ اذا لم يكن في امكان الامين العام، الخروج من هذا المسعى، بوضع قانون ملزم للتعامل بين الرؤساء والقادة العرب، فلماذا عذاب النفس. لماذا تجربة اخرى في الزمن الضائع.