استقالة وزير إعلام الكويت

TT

محمد أبوالحسن من أكثر وزراء إعلام الكويت المعروفين بمحافظته، لكن هذا لم يمنع أن يخرج ضحية لمطالبات المحافظين الإسلاميين في مجلس الأمة، مدللين مرة عاشرة، على أن الديمقراطية يمكن أن تكون أسوأ وسيلة لقمع الحريات.

ما هي قيمة الديمقراطية اذا كان ممثلو الشعب يقررون حرمان الناس من حق الاختيار، حتى في مسألة الذوق الفني، وتحرمهم من الاحتفال، وتتدخل في البرامج التلفزيونية؟ أبو الحسن خرج، كما خرج من سبقه، أحمد الفهد وسعود الصباح وغيرهم، لأن هناك دائما «لوبي» يفرض مطالبه، مستفيدا من ضعف الحكومة. فهي تريد كل كسب صوت، حتى لو كان ثمنه تقديم طبق تتنازل فيه، عن أسس الاختيار ومبدأ الحريات، جنبا إلى جنب مع رأس الوزير.

وأنا لا أعترض على أن يخرج وزير في أي استجواب ديمقراطي، على الرغم من أن نظام التصويت على الثقة يضعف أداء الحكومات. فهذا النظام على الرغم من جودته في محاسبة الحكومات، إلا أنه يجعلها حبيسة التفكير في منع استجوابها أو نزع الثقة منها، والذي يحولها في نهاية الأمر، إلى مجرد خادمة لموظفي البرلمان وممثلي الشعب لا الشعب نفسه.

الوزير أبو الحسن، حسب الرواية التي تناقلتها وسائل الإعلام بعد استقالته، لم يجد خصومه عليه من «مخالفات»، سوى بضع حفلات فنية بريئة رخص لها، ومثلها يعرض على التلفزيون، ويدخل بيوت الناس بلا حاجة لشراء تذاكر. أين هي المخالفة في نشاطات تعرض في معظم دول المنطقة، ولا يقال عليها وزير ولا يشتكي منها حتى الجيران؟ لكن لعبة التصويت في البرلمان، ليست أكثر من تتويج لمساومات سياسية. تستخدمها أطراف حتى تعاقب الحكومة، عندما لا تحصل على ما تريد بملاحقتها بمساءلات، تجبرها على تقديم كيش فداء.

«لكن هذه هي الديمقراطية الحقة»، سيتنطّع بهذا القول كل من يعجبه سلب الآخرين حقوقهم من خلال البرلمان. لا.. هذه ليست الديمقراطية. ليس من الديمقراطية إقصاء وزير الإعلام الاسبق بسبب سماحه بستة كتب، لم تعجب النواب الأصوليين. وليس من الديمقراطية أيضا إبعاد الوزير الحالي، والذي سبق من سبقه، لأنه رخص لإقامة حفلات فنية في العيد. فالدساتير التي قدمت الديمقراطية في العالم المتقدم، حمت أولا حقوق الناس الاساسية، وجعلت الحريات من اول الحقوق المكفولة في الدستور. والدستور أعلى مرتبة من أصوات البرلمانيين، حتى لو أجمعوا على رأي واحد. لهذا لا يستطيع رئيس في البيت الأبيض أو عضو في الكونجرس أو مجلس الشيوخ، حتى لو صوتت معه الأغلبية أن يتجاوز قانون الحريات كحرية التعبير.

إن أحدا ليس فوق المساءلة في النظام البرلماني، والكويت تقدم نموذجا حسنا لتفعيل هذا لدور، لكنه بكل أسف صار في مثل هذه الحالات مجرد تصفية حسابات، تدوس على الحريات التي يفترض أن يدافع عنها البرلمانيون قبل البيروقراطيين.