للاتحاد قوته وللحجم فعله

TT

هذه كلمات يجدر بي أن أسوقها لكل المتلهفين من الأقليات التي تسعى للانسلاخ وإقامة دولتها الخاصة بها، كالأكراد والبوليساريو والتاميل والباسك وسواهم. حركتني لكتابتها المقالة التي قرأتها في صحيفة «التايمس» لريس موغ، رئيس التحرير السابق للصحيفة. يقول إنه مثلما كان القرن 18 والقرن 19، قرني بريطانيا، والقرن 20، قرن أميركا، سيكون القرن 21، قرن الصين.

لو تأملنا في هذه المقولة، لوجدنا أن ضخامة اقتصاد هذه الدول الثلاث لعب دوراً رئيسياً في إعطائها هذه المكانة. ففي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كانت دول أوروبا الغربية مقسمة إلى إمارات ودوقيات، في حين كانت بريطانيا قد تجاوزت هذه المرحلة الانقسامية واتحدت وكوّنت أكبر سوق اقتصادي موحد في إطار امبراطوريتها التي لم تغب الشمس عن ارضها. في القرن العشرين أظهرت الولايات المتحدة مثل هذه القوة، باعتمادها على سوق متحد قوامه نحو 300 مليون نسمة. والآن ظهرت الصين بسوق لم يسبق للبشرية أن شهدت مثله بتجاوزه تعداد 1200 مليون نسمة.

ضخامة السكان وحجم السوق عامل اقتصادي مهم في الازدهار والهيمنة على اقتصادات العالم. كلما فاتحت دار نشر بريطانية لنشر كتاب لي، بعثوا بالمسودة إلى شريكهم في أميركا، إذا قال: كلا لا سوق لهذا الكتاب هنا، أعادوا إليّ المسودة مع الشكر والاعتذار. هذا هو سر هيمنة الأفلام السينمائية وبنطلونات الجينز ومأكولات ماكدونالدز والبضائع الأميركية عموماً على أسواق العالم.

فأمام المنتج هذه السوق الأميركية الضخمة من ثلاثمائة مليون مستهلك، التي تعطيه الفرصة للربح وخفض الكلفة والإنتاج الكثيف.

منذ فجر التاريخ وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ظل الألمان والفرنسيون والإنجليز يتقاتلون، لكنهم بعد نهاية الحرب، وظهور القوة الأميركية، أدركوا أنهم لن يكون لهم أي حظ في منافستها فسعوا إلى تناسي الثارات والحزازات القديمة وكونوا السوق المشتركة، وصولاً إلى الاتحاد الأوروبي. والآن كلهم يرتعدون ذعراً أمام شبح سوق الصين.

أكتب هذه الخاطرة على هامش النزعات الانفصالية في منطقتنا والخلافات الدائرة في منطقة الخليج بشأن الاتفاقيات الانفرادية وإحباطات مساعي السوق المشتركة لدول الخليج.

من زاوية بضاعتي الخاصة، وهي الكتابة، أجد ان ضيق السوق العربية من أهم عوامل عدم الإبداع. فالأديب العربي سعيد إذا باع ألف نسخة من كتابه، كم يجني من ذلك؟ وكيف يستطيع التفرغ لأدبه أمام الأديب الأميركي الذي يعتبر بيع نصف مليون نسخة رقماً متواضعاً؟، كم سيستطيع الشاعر الكردي أن يبيع من ديوانه ؟، من دون زعل، هذه وقائع علينا مجابهتها.