الأحباب والكباب!

TT

منذ سنوات كتبت سلسلة من الزوايا عن علاقة الأكل بالحب، وقلت إن الرجل الجائع لا يعرف الحب لأن معدته أهم من قلبه. وقديماً قالوا إن الطريق إلى قلب الرجل يمر بمعدته، لكن المحبين والعشاق لم يعجبهم كلامي، وقالوا إنني رجل مادي أغلب الحاجة على العاطفة وأن الحب ليس وقفاً على الشبعانين، فهو من حقوق الفقراء والجائعين.

وما زلت عند رأيي في أن الضروريات أهم من الكماليات. فالإنسان يستطيع أن يعيش بلا حب، وأكثرنا كذلك، لكنه لا يستطيع أن يعيش بلا طعام، وأن قرصة المعدة أوجع من قرصة القلب.

وأخيراً كنت أقلب في كتاب «جمع الجواهر في الملح والنوادر» للبوصيري، فقرأت أن أبي الحارث حسين كان يحب جارية حباً عظيماً فدعته إلى طعام، فذهب. وتأخر إعداد الطعام بينما الجارية ذاهبة غادية أمام أبي الحارث، فقرصه الجوع فقال: يا سيدتي، ما لي لا أسمع للغداء ذكراً؟

قالت: يا سبحان الله، أما يكفيك النظر إليّ وما ترغبه في أن تقول هذا!

قال أبو الحارث: يا سيدتي، لو جلس جميل وبثينة من بكرة إلى هذا الوقت لا يأكلان طعاماً لبصق كل منهما في وجه صاحبه.

وقد يكون أبو الحارث قد تجاوز حد الأدب في وصف حال جميل وبثينة، لكن الواقع يقول إن أكثر قصص الحب، بل أكثرها يدور في الطبقات الموسرة من المجتمعات، الطبقات التي لا تشغلها حاجات البدن من طعام وشراب فعندها الوقت للحب والغرام والهيام. وفي قصص التاريخ ما يغني عن التدليل، فقيصر يحب كليوباترا كما أحبها مارك أنطونيو، وهم جميعاً من الطبقة التي تمر بالطعام مرّ الكرام. كذلك كان حال روميو وجوليت، وقيس وليلى، وكثير وعزة، وادوارد التاسع ومسز وندسور.. إلخ.

إن الإنسان كائن بيولوجي، وبهذا المعنى تتحكم فيه ضروريات هذه الكيمياء التي هي حياته. والحب ليس من ضروريات الحياة، لكنه يجعلها أجمل وأحلى، لكن إذا تعارض الطعام مع الغرام كسب الطعام. والأحباب أحباب إذا توفرت الكفتة والكباب. والمثل يقول: «عض قلبي ولا تعض رغيفي». ومعذرة للمحبين والعشاق.