أوروبا والحوار الثقافي العربي

TT

ذات يوم ليس ببعيد، عقدت واحدة من ندوات الحوار العربي ـ الأوروبي بدبي، وفوجئنا بأن الزملاء المحاورين من أوروبا أتوا وفي أجندتهم أولوية واحدة، هي ضرورة أن نسارع الى التطبيع الثقافي مع اسرائيل.

كان هناك ألف قضية يمكن أن نتحاور حولها، ولم تكن كارثة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) قد وقعت لنقول إن الأجندة الأوربية لم تعد تختلف كثيرا عن الأجندة الأميركية، وكان الاستنتاج الوحيد المقبول عقليا أنهم يريدون تعطيل ذلك الحوار بأي ثمن، وأية طريقة، فالسياسة الأوروبية كالسياسة العربية ما زالت لا تعرف كيف تتعامل مع نتائج الحوار الثقافي. لذا سارعوا الى القضية الحساسة التي يعرفون أنها قادرة على وأد أي حوار. وتلك قضية تأتي دوما على شكل تهديد مبطن، يصاغ مهما كانت لغته والطريقة التي يقال بها على الشكل التالي: طبعوا مع الاسرائيليين وإلا لن تحصلوا على شيء من الجانب الأوروبي.

ولم تكن ندوة دبي خروجا عن المألوف، فمنذ اعلان برشلونة وخلال حقبة التسعينات وصولا الى أيامنا كان الأوربيون يعطلون الحوار الثقافي مع العرب بأي ثمن، وبأي شكل، وغالبا ينجحون، لأن المسائل الحساسة عندنا أكثر من الحصر، ولا تتعلق باسرائيل وحدها.

مرة يطرحون مسألة الأمازيغ في شمال أفريقيا، وعدم الاعتراف بلغتهم في بعض المناطق، وهذه كلمة حق يراد بها باطل، ولا تقال كرمى لعيون الامازيغ، بل لإغاظة غيرهم ودفعهم الى مغادرة مائدة الحوار، الذي لم يتحرك من محله منذ ربع قرن، ومرات يعودون الى قضية الأكراد في سورية والعراق، وينسون ايران وتركيا، لأنهما ليستا طرفا في الحوار، فالمقصود التعطيل وليس الدفاع عن الحقوق الكردية.

وحين تستنفذ هذه القضايا أغراضها يتركون الأدراج القديمة ويفتحون الجديدة، فقد طلبوا في أحدى المرات تشكيل لجان للتحقيق في معاملة الدول الخليجية للعمال الآسيويين، ومدى تطابق تلك المعاملة مع الشرعة الدولية لحقوق الانسان، وعلى هذا المنوال تمضي الحوارات من عام الى آخر من دون أن يتبلور أفق واضح للطريق، الذي ستسير عليه، فلماذا تعطل السياسة الأوروبية الحوار الثقافي مع العرب..؟

لقد مضى جيل ديغول وهيث وبرانت، الذي كان يقدر ويعرف أهمية العامل الثقافي في السياسة، وأختفى ميتران آخر الرؤساء الأوروبيين المثقفين، الذين حاولوا أن يعطوا زخما لذلك الحوار وفشلوا، ويأتي بعد هذا العامل إصرار أوروبا على تقسيم العالم العربي الى مناطق، والحوار معه على هذا الاساس، فما يهم سورية ولبنان في اطار حوض المتوسط، غير ما يهم المغرب والجزائر، كما يعتقد الأوربيون.

وبعد هذا وربما قبله، يأتي الضغط الأميركي على أوروبا ليضيف عقبة أخرى أمام تعثر ذلك الحوار، فجميع الدول الأوروبية بما فيها التي عارضت حرب العراق، لا ترغب في فتح معركة جانبية مع أميركا، وتستلذ الضغط على الجانب العربي معها. وما التوافق الفرنسي الأميركي حول قرار مجلس الأمن الخاص بلبنان الا الترجمة الواقعية لتلك النوايا المضمرة من الطرفين.

ان حوار الاقوياء مع الضعفاء دوما يمضي على هذه الشاكلة، ليصل الى طريق مسدود، ولن يتحرك الحوار الثقافي العربي مع أوروبا، ان لم يتمكن العرب من التعامل مع الخارج، كقوة سياسية موحدة قادرة، قبل الهم الثقافي، على الدفاع عن مصالح شعوبها في وجه الاملاءات الخارجية والهيمنة.