الانتخابات الفلسطينية: فلتسابق كل الأطراف الزمن.. قبل ضياع الفرصة

TT

لم تبذل مصر، منذ توقيع اتفاق غزة أريحا في القاهرة عام 1994، عندما أربك ياسر عرفات الاحتفال وسبب حرجا للرئيس المصري حسني مبارك، جهودا تذكر، لإحراز تقدم في العلاقات بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني. وليس ثمة شك في أن الرئيس حسني مبارك ربما يكون قد استضاف بعض المناسبات، فضلا عن إرسال مدير المخابرات المصرية عمر سليمان، في محاولات ترمي الى التوصل الى تفاهم فيما بين الفصائل الفلسطينية، إلا ان مدى الالتزام المصري كان محدودا، فضلا عن أن مبارك نفسه لم يعد على استعداد للمخاطرة بموقفه وسمعته.

ولكن مصر فتحت عقب وفاة عرفات صفحة جديدة. فقد توصلت الى تفاهم حول «المناطق الصناعية المؤهلة»، ووافقت على زيادة الوجود في منطقة الحدود بين سيناء واسرائيل، لمنع تهريب السلاح الى غزة، كما أفرجت عن عزام عزام، (وهو اسرائيلي درزي ظل الرئيس مبارك يرفض الإفراج عنه)، فضلا عن إصدار تصريحات أشير من خلالها الى ان رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون، هو الشخص الذي يمكن ان يساهم في تحقيق السلام.

يضاف الى ذلك ان الرئيس مبارك قد تدخل في السياسة الفلسطينية بصورة غير مألوفة، داعيا الى دعم ترشيح ابو مازن لرئاسة السلطة الفلسطينية، كما حث مروان البرغوثي علنا على عدم ترشيح نفسه. ترى، ما الذي يحدث؟ ببساطة، أدرك الرئيس حسني مبارك ان وفاة عرفات، وفرت فرصة لتشكيل قيادة فلسطينية مسؤولة، وأن هذه الفرصة لا يمكن التفريط بها.

لذا، فإن مصر ستلعب الدور المنوط بها للعمل مع الفلسطينيين، ومساعدة الطرفين على التوصل الى تفاهم لوقف داخلي لإطلاق النار، مع إجراء فحص دقيق ومراجعة شاملة لأجهزة الأمن الفلسطينية، وتدريب قوات امن جديدة. وعلى الرغم من اهمية الدور المصري، فإن مصر تدرك تماما ان لا بديل للولايات المتحدة، لأنها وحدها القادرة على بناء جسور بين الاسرائيليين والفلسطينيين، لتعبئة الجانب الاوروبي وحشد المساعدة العربية اللازمة.

واذا أخذنا في الاعتبار حقيقة ان هذه الفرصة لن تظل مفتوحة الى ما لا نهاية، فمن المهم ان تعمل الولايات المتحدة على عدة مسارات متوازية. وهنا، وأولا، ينبغي على الولايات المتحدة المساعدة في ترتيب استئناف الحوار بين الاسرائيليين والفلسطينيين بغرض التوصل الى تفاهم حول ما هو مطلوب من كل طرف لوقف الحرب المستمرة بينهما.

ربما كان من الأفضل أن تأتي هذه الخطوة قبل الانتخابات الفلسطينية، إلا ان حدوثها في وقت لاحق سيكون مهما ايضا، خصوصا عندما يتعين على ابو مازن ان يثبت انه قادر على إحداث تحول في الواقع. فالفلسطينيون يريدون من الاسرائيليين ان يزيلوا نقاط التفتيش، ويوقفوا الاغتيالات والتوغل في المدن والاعتقالات، فيما سيفعل الاسرائيليون ذلك فقط، في حالة وقف الفلسطينيين للهجمات التي تستهدف الاسرائيليين، سواء داخل الخط الاخضر او خارجه.

ولا بد هنا من التوصل الى تسوية، ولكن يجب ان يحدث ذلك من خلال التفاوض المباشر. ففشل وقف إطلاق النار عام 2003 كان بسبب عدم وجود تفاهم مباشر بين الطرفين، اذ كان من المفترض ان يتوصل الطرفان الى تفاهم مشترك، حول ما ينبغي على كل طرف فعله. ومن هنا فبدون التفاوض المباشر والتفاهم المشترك، سيكون لدى كل طرف إحساس بالخيانة من الجانب الآخر، مع بروز مشاكل جديدة.

ثانيا، الولايات المتحدة بحاجة الى العمل مع الجانب الاوروبي للتأكيد علنا، على ان الهدوء يعد شرطا مهما لإجراء انتخابات رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية، فثمة إجماع فلسطيني قوي على دعم الانتخابات، ذلك ان الفلسطينيين يدركون ان ثمة حاجة للانتخابات، بغرض الحيلولة دون تحول التنافس على السلطة بعد وفاة عرفات الى العنف.

ولخلق صعوبات أمام مهاجمة «حماس» و«الجهاد الاسلامي» و«كتائب شهداء الأقصى» للاسرائيليين، يجب ان ينظر الفلسطينيون الى هذه الهجمات كسبب في عرقلة الانتخابات في الوقت الراهن ومستقبلا، وعرقلة الانسحاب الاسرائيلي المزمع من قطاع غزة صيف العام الحالي.

والى ذلك، فقد جاءت رسالة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في القدس، والتي أكد من خلالها على ان الارهاب سينسف أي احتمالات للسلام، كإشارة مهمة في هذا الوقت، ولكن يجب ان تعزز بواسطة إعلان يؤكد ان الهجمات، التي تستهدف الاسرائيليين، ستنسف الهدوء الذي يطالب به الجانب الاوروبي، من اجل إرسال مراقبين للانتخابات.

ثالثا، يجب على الولايات المتحدة ان تعمل على إيجاد صندوق دولي للتنمية لمساعدة الفلسطينيين. فالسلطة الفلسطينية الجديدة بحاجة الى تنفيذ واجباتها تجاه الفلسطينيين، كما ينبغي عليها ايضا ايجاد شبكة اجتماعية واقية، مع عدم ترك برامج وأنشطة ما بعد اليوم الدراسي، فضلا عن العيادات الطبية ومراكز توزيع الأغذية. ويجب على السلطة ان تثبت ان من الممكن للحياة ان تصبح افضل، وأن الطريقة التي تنفذ بها السلطة التزاماتها ومسؤولياتها وتعايشها مع اسرائيل، يمكن ان تصبح سبيلا لتحقيق تطلعات الفلسطينيين.

وطبقا لنتائج استطلاعات الرأي عقب وفاة ياسر عرفات، فإن منظمة «فتح»، برئاسة ابو مازن، تفوقت مسبقا على حركة «حماس» من ناحية حجم قاعدة المؤيدين، مما يشير بوضوح الى ان الفلسطينيين باتوا يشعرون بالارتياح والتفاؤل تجاه التعامل مع قيادة جديدة يكون عليها ان تثبت من جانبها انها قادرة على الوفاء بوعودها.

ويبدو ان الوقت قد حان لأن تمد دول النفط العربية يد المساعدة، فالمملكة العربية السعودية والكويت والامارات العربية المتحدة حققت أرباحا وصلت الى 60 مليار دولار نتيجة الزيادة في اسعار النفط خلال الشهور العشرة السابقة. ولا شك في ان الولايات المتحدة قادرة على مناشدة هذه الدول بتقديم نسبة 1 بالمائة (600 مليون دولار) لمساعدة الفلسطينيين من أجل ايجاد واقع جديد.

هناك فرصة بالتأكيد، لكنها ليست فرصة للتباحث الآن حول القضايا الرئيسية، مثل وضع القدس والحدود واللاجئين، اذ لن تكون هناك سلطة فلسطينية جديدة قادرة على تقديم أي تنازلات، فيما يتعلق بهذه القضايا، قبل ان تبني سلطتها. لذا فإن التحدي يتمثل في التأكيد على ان السلطة الفلسطينية الجديدة تعمل بجدية على تنفيذ مسؤولياتها ووعودها، الرامية الى تحسين الواقع اليومي، حتى تتمكن من كسب ثقة الرأي العام الفلسطيني، وتصبح قادرة في الوقت المناسب على معالجة القضايا المتعلقة بالوضع النهائي.

ويبقى القول ان كل شيء سيصبح ممكنا، بما في ذلك تصور بوش القائم على قيام دولة فلسطينية الى جانب دولة يهودية، في ظل قيادة فلسطينية تحارب الفساد وتبني المؤسسات وتعزز حكم القانون وتباشر المسؤوليات المنوطة بها، خصوصا في الجانب الأمني، ولن يتغير شيء من دون حدوث ذلك. ومن هذا المنطلق، يمكن القول ان هذه اللحظة تاريخية، لكنها لن تستمر طويلا في الغالب. أما مدى مقدرة الولايات المتحدة على تنفيذ رؤية وتصور بوش للدولة الفلسطينية، فيعتمد على اغتنام هذه الفرصة، ذلك ان خسارتها لا تعني سوى ضياعها لسنوات طويلة مقبلة.

* كبير مفاوضي السلام في الشرق الأوسط في إدارة الرئيس الأسبق كلينتون (خدمة «تريبيون ميديا سيرفيسيز» خاص بـ«الشرق الأوسط»)