لو كنت عراقيا

TT

تخيلت لو اني كنت عراقيا هذه الايام، فالانتخابات على الابواب، وللمرة الاولى سوف يرسم العراقيون ملامح مستقبلهم بأنفسهم وعبر صناديق الانتخاب نهاية هذا الشهر، تخيلت لو اجريت الانتخابات في موعدها، هل كنت اشارك فيها؟ لو كنت عراقيا وشاركت في الانتخابات فلمن كنت اعطي صوتي؟

لو كنت عراقيا لأعطيت صوتي للعراق، لو كنت عراقيا لتسامى العراق في قلبي وروحي فوق كل الاحزاب والمرشحين والقوائم والطوائف والاعراق والقوميات، ولألقيت بأحرف القلب والضمير صوتا صادقا للنخل، ولطرحت ثقتي بالرافدين، وللثمت الاعشاب والنبات والخوص المتناثر على ضفتي شط العرب، ولمددت يدي نحو الطفل في العراق، ولقبلت كل اطفال العراق بروحي ومشاعري وصدقي من اجل الطفولة الحالمة البريئة، ولسقيت وردة تنمو تحت فروخ النخل بصفاء حبي الصادق لبلدي.

هكذا كنت سأصوت لو كنت عراقيا، فلو كنت عراقيا لنظرت لمن يطرح تلاوين العراق بأعراقه، وبمن يصف الفسيفساء الجميلة التي تشكل مع بعضها كينونة العراق منذ آلاف السنين، فالعراق ليس ككل البلدان، وتركيبته المتعددة ارادها الله ان تكون هكذا متنوعة تنوعا سرمديا، لم يكن العراق عراقا لو كان لونا واحدا، او دينا واحدا، او قومية واحدة، او طائفة واحدة تلغي الآخرين. اشفقت على العراق بعد تعدد التصريحات حول مستقبل الانتخابات، فوزير الدفاع حازم الشعلان لمح الى امكانية تأجيل الانتخابات لو ان السنة وافقوا جميعا على المشاركة فيها بعد تأجيلها، بل ان الشخصية الوسطية للرئيس العراقي غازي الياور المحت ايضا الى امكانية تأجيلها لو طلب مجلس الأمن ذلك بعد التأكد من استحالة عقدها بمشاركة كل الاطراف وبالذات الاطراف السنية التي اعلنت معظمها مقاطعة الانتخابات.

رئيس الوزراء العراقي الدكتور اياد علاوي أكد في تصريح له بعد يوم واحد من تصريح الرئيس الياور بأن الانتخابات سوف تعقد في موعدها، وكذا أكد وزير الخارجية هوشيار زيباري، وترددت الاخبار بأن وفدا يمثل السيد السيستاني زار القاهرة في محاولة تأييد مصري لعقد الانتخابات في موعدها واقناع السنة بالمشاركة فيها.

عناصر عديدة من اعداء العراق والحرية ترقب الجدل الجديد حول تأجيل الانتخابات من عدمه «وتطق اصبع» ـ كما يقال في اللهجة العراقية ـ فرحا، فها هو الفريق الواحد الذي تماسك طيلة الشهور التي تلت سقوط نظام صدام يختلف فيما بينه اختلافا جذريا حول مسألة كانت جوهر تماسكهم وهي مسألة الديمقراطية وحق الشعب العراقي في تقرير مصيره، وبدأ الواحد يرقب الوضع العراقي بنوع جديد من القلق لم يكن معهودا طيلة الشهور الماضية، فعلى الرغم من الاختلافات والقتل والارهاب والتفجيرات، كان الواحد يرى في فريق تماسك رغم الاغتيالات والخيانات والسيارات المفخخة، وصار يرقب ما سيؤول اليه الجدل الجديد.

في ظل هذا الجدل المفزع الجديد حول موعد الانتخابات، تخيلت الحيرة والقلق الجديد الذي يعيشه الانسان العراقي، وتخيلت نفسي لو كنت عراقيا.