الإسلاميون جزء من تاريخنا.. رضينا أم أبينا..!

TT

هل يمكن لقضية عامة أن تكون مرتبطة بحياة إنسان بشكل أو بآخر، حتي لو لم يكن جزءا أصيلا منها؟ بتعبير آخر , هل تاريخ هذه الأماكن الجغرافية التي نعيش فيها، وتحدها مناطق أخرى ويحيا فيها بشر آخرون، يختلفون أو يتفقون , ونسميها نحن أوطانا , هل تاريخ هذه الأوطان يصلح لأن يكون جزءا من تاريخنا الشخصي؟ أظن أن الاجابة هي بالايجاب , وهذا ما شعرت به دوما , بل ما عايشته دائما . حتي ذلك التاريخ الذي لا يمسني بشكل مباشر , أو لم أعايشه ظللت حتى الآن أستشعر أنني جزء منه , بل أن تكويني الفكري هو جزء أصيل من هذا التاريخ، الذي عايشته فقط من خلال القراءة ومحاولة الفهم .

جزء من تاريخي , وتاريخ هذا الوطن، هو ما اصطلح علي تسميته تيار الإسلام السياسي , وجماعات الإسلام السياسي , ومن بينها جماعات العنف السياسي المنتسبة للإسلام , هذه الجماعات أظنها جزءا أصيلا من تاريخ هذا الوطن، خلال العقود الثلاثة الأخيرة , جزءا داميا، أحيانا مؤلما وأحيانا أخرى يبدو محيرا دائما , باحثا عن حل وأسلوب تكيف. هذا الجزء من تاريخ هذا الوطن هو ابن له , ابن شرعي لتفاعلاته ومشكلاته , حتي لو خرج عليه وحاول تدميره أو إصلاحه ـ كما يعتقدون ـ حتي لو استخدم أساليب عنيفة ودموية , فإن هذا التيار وهذه الجماعات هي نتاج لهذا المجتمع , أبناء لهذا المجتمع , جزء لا يمكن فصله أو استئصاله .

كما أن هذه الجماعات جزء من تاريخ هذا الوطن , فإنها أيضا جزء من تاريخي الشخصي , احتككت به , وعايشته , وصادقته وعاديته منذ السبعينات وقت الدراسة الثانوية , وفي نهاية السبعينات وبداية الثمانينات في المرحلة الجامعية، وقت استأسدت هذه التيارات وسادت , وتابعتها مهنيا منذ منتصف الثمانينات , واختلفت سياسيا وفكريا مع هذه الجماعات منذ ظهرت في تاريخي الشخصي , اصطدمت بها , ولكن ظلت علاقتي بالعديد من رموزها هي علاقات احترام وتقدير , بل ووصلت الي حدود الصداقة القوية والعميقة ببعضهم رغم الاختلاف. منذ البداية ظللت اختلف معهم , ولكن ظللت مؤمنا بشكل يقيني بأنهم أبناء هذا الوطن , يعتقدون في أن طريق الإصلاح هو ما يعتقدون , حتى لو اختلف معهم المجتمع كله , وحتى لو استخدموا أساليب يمكن أن تنتهي بهذا المجتمع الى الانفجار والتمزق . رغم كل ذلك ظللت مؤمنا، أن من حقهم دائما أن يكونوا حاضرين بالشكل الذي يرتضيه المجتمع , ووفقا للقواعد المنظمة له , ويظل دور المجتمع دائما محاولة إعادة استيعاب أبنائه حتى لو بدوا مارقين , أو مارسوا سلوكا معاديا أو مناقضا لما ارتضاه المجتمع من قواعد له .

رغم ارتفاع نبرة الهجوم وحدته على هذه الجماعات طوال التسعينات , وهي الفترة التي شهدت فيها مصر موجة من أسوأ موجات الإرهاب , ورغم حالة العنف التي كانت سائدة من الأطراف المختلفة في المجتمع , عنف مدان وعنف يجد تبريرا له ـ حتى لو كان تبريرا غير مقنع ـ باعتباره رد فعل علي العنف الممارس ضده . رغم هذه الأجواء ورغم حالة الغضب التي انتابت معظم أطراف المجتمع وأبنائه ـ وأناتهم ـ ضد هذا السلوك العنيف من بعض المنتسبين الي هذه الجماعات , رغم كل ذلك إلا أنني ظللت مقتنعا بأن هؤلاء هم أبناء المجتمع مثلنا نحن , وأن لهؤلاء حقوقا علي هذا المجتمع , وأن الحل لن يتأتى بالاستئصال , ولكن بمحاولة استيعاب هؤلاء مرة أخرى بكافة السبل الاقناعية والأمنية والسياسية , أن تتكاتف تلك الجهود من أجل استعادتهم وليس استئصالهم .

أظن أن الظروف المهيمنة قادتني مرة أخرى الى الحضور في مرحلة مهمة من مراحل وتاريخ الجماعات الإسلامية , وهي تلك الفترة التي قررت فيها هذه الجماعات العودة مرة أخرى الي مجتمعاتها , مدركة حجم خطأ الفهم والممارسة خلال السنوات الأخيرة , وذلك عندما كنت حاضرا مهنيا عن قرب لملاحظة التطورات التي تشهدها ساحة الإسلاميين , راقبت تطورات الحركة , وتطورات الفكر , وإرهاصات الرغبة في مراجعة الفكر , هذه الإرهاصات التي أفرزت في النهاية ذلك التحول المهم في تاريخ الإسلام السياسي في مصر .

أيضا قادتني المهنة الى التواصل مع العديد من قيادات هذه الجماعات , سواء في أوروبا أو عبر شبكة الإنترنت , أو عبر الهاتف , هذا التواصل المستمر طوال عقد التسعينات ساهم بشكل أو بآخر لأن أكون متواجدا قرب تلك التطورات . ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد , بل إن الظروف المهنية، مرة أخرى، قادتني لأن أدخل الى سجن العقرب, السجن شديد الحراسة الذي يضم قيادات الجماعة الإسلامية , أو من اصطلح على تسميتهم بالقيادة التاريخية , ووقتها أجريت ذلك الحوار الذي كان له صدى كبير في وقته، مع كرم زهدي أمير الجماعة الإسلامية , وهو الحوار الذي اشتهر وقتها بعنوانه السادات شهيدا، ومضمونه أن الجماعة الإسلامية التي شاركت في قتل السادات تحتسبه عند الله شهيدا . ورغم أن هذا المعنى أخذ من الاهتمام الإعلامي الكثير , إلا أنني أعتقد أن المضمون الذي احتواه الحوار، كان هو الأكثر عمقا وأهمية ويحمل من الدلالات الكثير .

ما نحتاجه هو محاولة فهم ما كان، وبدون هذا الفهم لن نتمكن من تجاوز ما نحن فيه , ولن نتمكن من رؤية مستقبل يمكن لنا أن نراه لو استسلمنا لمحاولة الفهم .