ثنائية تنظيرية

TT

لا تزال المؤشرات الواقعية لسياسة الادارة الاميركية الجديدة حيال سلام الشرق الاوسط غير واضحة المعالم. وباستثناء الالتزام المعنوي بالسلام التفاوضي في المنطقة قد لا تتضح الخطوط العريضة للموقف الاميركي من السلام قبل تقويم واشنطن لنتائج زيارة وزير خارجيتها الجديد كولن باول الى عواصم المنطقة.

الا ان الاسابيع الاولى لادارة الرئيس الجمهوري جورج بوش توحي بانها جاءت الى البيت الابيض بسياسة خليجية متفق عليها، بدليل الموقف المعلن عن تشديد العقوبات الدولية على العراق، وبسياسة شرق اوسطية لا تزال حتى الآن قد الصياغة.

تمييز الادارة الجمهورية بين سياستها الخليجية وسياستها الشرق اوسطية ـ بعد ان كانت الادارة الديمقراطية تربط موقفها من عواصم المنطقة بموقف هذه العواصم من السلام ـ يحمل على الاعتقاد بان واشنطن تتجه لاعادة ترتيب اولوياتها في الشرق الاوسط في اطار معادلة جديدة تعطي الدول الخليجية ثقلا اوقع من ذي قبل.

جذور هذه المقاربة الثنائية في سياسة الرئيس جورج بوش حيال الشرق الاوسط يمكن تلمسها في مواقفه المعلنة ابان حملته الانتخابية وخصوصا في تأكيد التزامه: اولا «الدفاع عن مصالح اميركا في الخليج (الفارسي) ودفع سلام المنطقة قدما اعتمادا على اسرائيل آمنة». وثانيا «التصدي لعدوى انتشار اسلحة الدمار الشامل ولتطوير وسائط اطلاقها».

تعزيز ثقل «العامل الخليجي» في المعادلة الدبلوماسية الاميركية في الشرق الاوسط ربما كان الفارق الابرز بين سياستي الرئيسين الديمقراطي بيل كلينتون والجمهوري جورج بوش. وقد يكون قياديو الحزب الجمهوري بحكم تعاطفهم مع قطاع الاعمال الاميركي ـ في الداخل والخارج ـ اكثر التزاما من الديمقراطيين بالمصالح النفطية الاميركية في الخليج وبالتالي اكثر حرصا من الادارة السابقة على استقرار منطقة لا تخفى اهميتها الاقتصادية والاستراتيجية معا.

الا ان السؤال يبقى: ما هي فرص الادارة الجمهورية في ممارسة سياسة ثنائية، ان لم تكن ازدواجية، ناجحة حيال منطقة وثيقة الترابط القومي والحضاري والتاريخي مثل منطقة الشرق الاوسط ـ دون وربما قبل ـ تحقيق السلام العربي ـ الاسرائيلي الشامل؟

من تحصيل الحاصل فان المعطيات الجغرافية ـ السياسية تجعل استقرار منطقة الخليج جزءا لا يتجزأ من استقرار الشرق الاوسط والعكس بالعكس طبعا. واي سياسة اميركية واقعية حيال الشرق الاوسط محكومة بان تأخذ في الاعتبار كون منطقة الخليج العمق الاستراتيجي لاي صيغة سلام شامل ودائم وضمانته الاقتصادية على المدى الطويل.

بقي ان يلمس كولن باول شخصيا، في اول زيارة له كوزير للخارجية الى الشرق الاوسط بجناحيه الخليجي والمشرقي، ان اي ثنائية او ازدواجية في النظرة الاميركية الى الشرق الاوسط لا تستتبع فك ارتباط الخليج بالمنطقة ولا عزله عن عملية السلام الشامل والعادل.