تعلموا من الرياضة

TT

لم اجد بدا من ان اتوقف عن تبريراتي المؤدبة في الدفاع عن الاهتمام بالاخبار الرياضية لانقض على محدثي بعد ان مللت من السباب الذي كاله لنا في الصحافة بدعوى أن نهتم بسفاسف الأمور وعلى رأسها اخبار اللاعبين والاندية وفسح المجال للرياضة اكثر مما نمنحه الكتاب الكبار والاعمال الادبية الراقية والتحليلات السياسية العميقة وغيرها. وبعد ان انتهيت من دفاعي العفوي راجعته في نفسي وقلت يا له من منطق سليم، لم يكن مجرد ثورة فقط من اجل الدفاع عن النفس او غيرة على المهنة، فالصحافة الرياضية تبدو، رغم سيئاتها، اكثر ارتقاء من بقية الاعمال الصحافية والفكرية بعمومها. رغم انني لم انتم من قبل الى هذا الفصيل الاعلامي.

فالصحافة الرياضية اكثر المساحات الاعلامية انفتاحا على الجديد واستيعابا له، واكثرها وضوحا وشفافية في حين ان كتاب الرأي السياسي يختبئون وراء الطروحات الغامضة والدوران البعيد للوصول الى هدف قريب. لا بد ان نعترف ان الصحافة الرياضية هي اكثر المساحات الاعلامية حرية حتى في اكثر الدول كرها للحريات وتقييدا لها. حبر النقد فيها يسيل بلا انقطاع، ونقادها لا تخيفهم محاولات الردع، يواجهون غيرهم بشجاعة يندر ان تجدها في الصحافة السياسية والادبية. ادارات الرياضة تتمتع بوضوح لا تعرفه ادارات الحكومة في الصناعة او الشؤون الخارجية او البلدية، هي الجهاز الوحيد المكشوفة اوراقه والمعروفة ميول اصحابه الحقيقية والمنتدى الذي يبوح فيه الجميع بكل شيء يفكرون او يعملون على تنفيذه ويتم فيه الحوار والعقاب في مناخ مكشوف.

لقد عودت الرياضة وصحافتها السباب على امكانية تقبل حرية الرأي فهي الميدان الوحيد الذي تجتمع فيه الألوف او تنتظم امام شاشات التلفاز تصفق لفريق ضد آخر ومع هذا يعيش الجميع في وئام بعد ان يطلق الحكم صافرته. قلت لصاحبي لو ان السياسيين تعلموا من الرياضيين ولو ان الصحافة السياسية تعلمت من الصحافة الرياضية لعمري لاستطعنا حل معظم خلافاتنا بنفس السهولة التي تحسم بها رياضيا، المنتصر والمهزوم في تعايش دائم وان كانوا في غم دائم. حتى عند نفحص المجالات المختلفة نجد ان الرياضة في اعلى المجالات التي تطورت سريعا وصارت الاندية العربية واللاعبون العرب ينافسون دوليا ويقارعون اندية اكثر عراقة واعظم امكانيات. اما في السياسة والصناعة والزراعة والادب فالحال لا تسر عند مقارنتها بانتصاراتنا الرياضية.

لهذا اقول بالفعل علينا ان نحترم التجربة الرياضية وان نتعلم من تجربتها العربية الناجحة ونستفيد من قدرتها على خلق مناخ ودي رغم انها تقوم على التنافس الشرس. علينا ان نفحص كيف امكن للصحافة الرياضية ان تروض متعاطي الشأن الرياضي بأن يتقبلوا النقد ويستمتعوا به لهم ام عليهم. ان الذين يحتقرون الرياضة وصحافتها لا يدرون كم هي مدرسة تربوية كبيرة لا مجرد كرة فارغة مدورة.