يوميات هذا العالم

TT

كتبت غداة الزلزال الرهيب في المحيط الهندي اننا في العالم العربي نفتقر الى ثقافة المساعدة الانسانية بعكس الشعوب الاخرى. كما كتبت ان الاسرة الدولية مجموعة خبيثة من الدول لا تلتفت الى الفقراء في العالم، وان اميركا تصرف 400 مليار دولار في العام على الشؤون العسكرية ولا تصرف اكثر من 15 مليارا على المساعدات الانسانية.

بعد ايام قامت في السعودية حملة لجمع التبرعات لضحايا الزلزال تجاوز حاصلها 300 مليون ريال. ولست اعرف ماذا جرى في دول عربية اخرى، ان كان قد جرى. اما على الصعيد الدولي فقد ضاعفت اميركا وفرنسا وبريطانيا حجم مساعداتها، بعد شعورها بالخجل امام مواطنيها. وفي الحالتين كان التجاوب مع حجم المأساة جيدا. لكن الا يذكرنا ذلك بأن في العالم عشرات اضعاف ضحايا الزلزال كل يوم، وان هذا الكوكب مليء بالفقراء والجائعين وان 300 مليون هندي يأتون ويذهبون الى هذه الحياة دون ان يعرفوا معنى الشبع؟ ذكرت مرات عديدة هنا ان الطبقة المتوسطة في الهند اصبحت نحو 200 مليون انسان وان الهنود والآسيويين يتقدمون لائحة اثرياء العالم في اميركا وبريطانيا. لكن ثمة وجهاً آخر يجب الا ننساه. ويجب ألا ننسى ان المجاعات لا تزال تنهش آسيا وافريقيا. وهذه المأساة تحتاج الى حل، او محاولة حل دائمة. ان الفساد المريع يمنع وصول المساعدات الى بعض الدول. ويفضل المانحون حجب المساعدة الضرورية عن الفقراء، على الا تصل الى صناديق الجلادين والسارقين والحرامية. ولكن هذه الذريعة يجب ألا تستمر الى الابد. ويجب العثور على آلية دائمة من اجل ان يتمتع مئات الملايين من البشر بالحدود الدنيا من سبل العيش والكفاية. وضمن مثل هذا الجهاز يتبرع المواطنون حول العالم لاسعاف ذوي الحاجات. لقد اكتشف العالم بعد كارثة المحيط الهندي ان ملايين البشر يشربون المياه التي تشرب منها المواشي. او الحيوانات الاليفة. فهل يجوز ان يستمر هذا الامر بعد اليوم؟ هل يجوز ان يظل ثلث اهل هذا الكوكب على الاقل، يشربون امراضهم وموتهم مع المياه التي يتمكنون من الحصول عليها؟

لقد عرضت «الاسرة الدولية» على دول الفقر، السلاح لكي تقاتل بعضها او تقتل شعبها. وعرضت عليها بعض دون العالم الثالث، والانقلابات والحروب ووحدة الذل والعبودية والازدراء. وايام الاحرب الباردة تنافس القطبان في شراء الذمم وتمويل الوحشيات وتمويل اقامة السجون. فلماذا لا يكون «تسونامي» يقظة الى مرحلة اخرى من التعاون البشري. مرحلة نرسل فيها الى موريتانيا الادوية بدل المخبرين السريين وخبراء الانقلابات. ونساعد فيها ايران على ضرب زراعة الافيون في افغانستان بدل مساعدتها على ضرب العراق ومدها بالاسلحة اللازمة لذلك.

يبحث هذا الانسان حوله عن انسان فيرى حجارة. يعطش ويجوع ويمضي حياته في الظلام ويهفو الى مساعدة ما فترمى اليه مجموعة من الكتب يقرأها على ضوء الكهرباء بعد عشاء دسم ومع سيجار غليظ. وكلما حدث زلزال يقضي على شيء من سطح الارض تتذكر الاسرة الدولية ان مئات الملايين بلا مأوى او رغيف، بالزلزال او من دونه. تتذكر.