بين «العولمة» و«العجرمة»!

TT

نانسي عجرم، المغنية اللبنانية التي احتلت عناوين القصص والمقالات المختلفة في الكثير من وسائل الإعلام، باتت اليوم أحد أهم الشخصيات الصانعة والمؤثرة على الرأي العام في العالم العربي بأسره. نعم، هذه جملة صحيحة وبالمطلق. منذ زيارتها الأخيرة إلى البحرين والمظاهرات العنيفة التي صاحبت تلك الزيارة والتي كانت «تشجب» و«تندد» وطبعا «تستنكر» هذه الزيارة ثم نوقشت تلك «الزيارة» في البرلمان البحريني وبجلسات استثنائية، وكتبت فيها العديد من المقالات والآراء. منذ تلك الزيارة سجلت نانسي عجرم النقلة النوعية في السجال السياسي في البرلمان العربي الحديث. وحدث نفس الشيء بعد ذلك في برلمانات عربية مختلفة كان آخرها المساءلة التي طرحت في إحدى جلسات مجلس الشعب المصري من قبل أحد النواب المحسوبين على كتلة الإخوان المسلمين المحظورة والتي يطالب فيها رسميا بمعاقبة الإعلام المصري لسماحه ودعوته لنانسي عجرم أن تغني.

نانسي عجرم و«أخواتها» باتوا هم رموز الغزو الثقافي الجديد وأعتى أعداء الأمة، وتم تجنيد الأبواق والأقلام والأيدي والأرجل والألسن لمواجهة ذلك. جميل أن يتم التفاعل مع قضايا الأمة الحاسمة بهذه الشكل وأن تهاجم الرذيلة ويدافع عن الفضيلة، ولكن الأجمل أن يكون الوعي والإدراك بالأولويات في تلك التحديات. ولا بد أن نسأل لماذا لم تخرج تلك الأصوات تصيح ضد رموز التطرف والغلو في نفس تلك البلاد؟ لماذا لم تخرج المسيرات ضد الأمية والفساد وهما أشد عداوة وخطورة علينا جميعا من نانسي عجرم وغيرها؟

عادة رسم خارطة الأولويات والتحديات باتت أمرا حيويا لكل دولة عربية بدلا من الانشغال بالصغائر عن المهم والأهم. فهل نانسي عجرم تسببت في تخلف النظم التعليمية في البلاد العربية بالشكل الذي هي عليه اليوم؟ لا اعتقد بأن نانسي عجرم تسببت في أن تكون نسبة الثقة في النظام القضائي العربي قد بلغت أدنى مستوياتها. رأي واحد يشجع على التقوقع والانغلاق هو أخطر وافتك من كل فتن نانسي عجرم وشاكلاتها. قرار إداري واحد يكرس التسلط والمفسدة لهو أسوأ وأهم من كل ما يمكن أن تقوم بهدمه نانسي من قيم وأخلاق. في منطقة منعزلة عن العالم ومنظومة العولمة يبدو العالم العربي ملهيا بتغييب نفسه عن عالم وصل للمريخ واستنسخ الكائنات وطور النبات وكسر منظومة علم الأجنة. هل يا ترى أخذ العرب قرارهم بان تكون «العجرمة» هي همهم الأكبر وتناسوا شروط الانضمام للعولمة؟ شروط تتطلب توفر تعليم متطور، وقضاء فعال، وأنظمة عادلة. إيقاع «العولمة» بحاجة لتناغم حقيقي ما بين الأماني والقدرات كلها بحساب دقيق ولكن فعّال. أما إيقاع «العجرمة» فهو مختلف لا يعتمد إلا على غرائز حيوانية تعزل وتحجب العقل.

husseinshobokshi@yahoo .com