لك الشرف

TT

«هناك عبرة تربوية تحملها إلينا إعلانات التلفزيون، فهي تجعلنا ندرك كم يظننا المعلنون أغبياء».

- ونحن تقريبا لسنا أغبياء جدا وفي نفس الوقت لسنا أذكياء بما فيه الكفاية، نحن نتقبل بصدر رحب كل ما نتلقاه ليس من التلفزيون فقط، ولكن حتى من أفواه وحركات من نقابلهم.. ولكن شئنا أم أبينا فنحن في عصر يعلن عن نفسه في كل ساعة وكل دقيقة وثانية بدون أي استئذان أو (جبر خواطر على الله)، إنه أحيانا يسبب لنا الصداع من أجل أن يبيعنا دواء شافيا، ولا يهمه بعد ذلك ماذا حل بنا، إذا ما حقق برنامجه وقبض أتعابه.

أكاد أقول إن الإعلانات بمجملها تصور لنا أن العالم وردي، أو مثلما تقول التي كانت يوما سندريلا الشاشة العربية قبل أن تنتحر - واقصد بها سعاد حسني - التي تقول إن الدنيا لونها (بمبي في بمبي)، وهي في الواقع لم تكذب وإنما جانبها الصواب.. لأن الحياة (طيف ألوان) سواء في الليل أو النهار، وسواء في سرادقات عزاء الموت أو في مجالس التهاني بالولادة الطبيعية أو القيصرية أو الإجهاضية.. غير أن الإعلانات - سامحها الله - في أغلب الأحيان تفتح لنا شوارع لم نكن نتوقعها أو نتخيلها أو نحتاجها أو نستطيع أن نعبر فيها، ومع ذلك نضعها في خريطة أعمارنا، لأن الإنسان بطبيعته كائن (وهمي)، ويحب من يعشمه بالأمل حتى لو كذب عليه، وهذا ما فطن له أساطين الدعاية وأطباؤها النفسانيون، وإلا دلوني على ذلك الإعلان الذي تكون نهايته مأساوية، إلا إذا أراد المعلن أن تدل تلك النهاية على جانب سعيد هو الهدف الأساسي الذي يريد منه أن يجرجر رقبة المشاهد أو السامع أو القارئ إليه.

ولو كنت معلنا لفعلت مثلما يفعلون، وبما أنني لست منهم لهذا فتأثري بإعلاناتهم يكاد أن يقارب الصفر - إن لم يكن اقل. صحيح أنني أراقب بعض الحسناوات المحتشمات منهن وغير المحتشمات من باب التسلية أو من باب حب الاستطلاع وسد الذرائع أو من باب (الطفاسة) لا أكثر ولا أقل، غير أنني سرعان ما أنساهن، وما حاولن بجمالهن ودلعهن وإثارتهن أن يسلبن عقلي ومهجتي وأعز ما أملك، لترويج بضاعتهن سواء كان ذلك صابونا أم زيتا أم عطرا أم حافظة نقود أو خلافه.

وإذا أردنا أن نكون صريحين أكثر فالواقع أن بعض نساء الإعلانات سيقانهن أطول من اللازم وبعضهن أنوفهن وصدورهن أكبر من اللازم، وبعضهن خصورهن أعرض من اللازم، وبعضهن مقاس (سكربيناتهن) أوسع من اللازم، وبعضهن كان من الواجب على أمهاتهن أن يضعن (البريز) على أسنانهن وهن في عمر الرضاعة، وبعضهن تود فقط أن تسلب ما عليهن من (مصاغ) ثمين، ومن ملابس أنيقة ثم تقذف بهن من الدور العاشر بدون أي شفقة ولا رحمة ولكن مع قليل من الأسف غير البالغ.

غير أن للإعلانات (خرفانها) النجباء، ولولا ذلك لما كانت أرباح شركات الإعلانات بالمليارات التي تمد لنا ألسنتها مع مطلع ومغرب كل شمس، ومن هؤلاء الخراف أو الخرفان - لست أدري - ذلك الصديق (القرقيعة)، الذي لا يشاهد إعلاناً بالتلفزيون إلا وتأثر به أكثر مما يتأثر بقضية فلسطين، وأكبر دلالة على ذلك أنه تأثر بإعلان تلفزيوني عن نوع من (الحلاوة)، فما كان منه إلا أن اشترى كميات كبيرة منها، وأخذ يلتهمها بدون حساب إلى أن أصابه (إسهال)، فقلت له: كان الأولى بك أن تتأثر بقضية العرب الأولى ومهما حصل لك بعد ذلك فهي تظل في النهاية (القضية)، حتى لو حبست نفسك بالحمام، فلك الشرف على كل حال.