الذي حدث

TT

أسوأ ما حدث للعالم الثالث هو جعل القضاء في خدمة السياسة والسلطة. وكان تسخير القضاء واستعباده واهلاك ضميره قد خف في الغرب وكاد ينقرض لولا انه عاد فخضع لاغراءات الفساد والجريمة المنظمة التي اجهضت فكرة العدالة وشجاعة القانون في بلدان مثل اميركا او ايطاليا او روسيا او الهند، حيث مخالب المافيا افعل من صمود القضاة.

وقد دأبت الثورات على تسخير القانون كأول خطوة تقوم بها. ولا شك ان الرائدة في هذه المجازر هي الثورة الفرنسية التي جعلت من مدعي عام الدولة «عدادا» يحصي الجثث قبل ارسالها الى المقصلة. ومع الثورة البولشفية والثورة الصينية ضاعت الارقام ولم يعد لها معنى. فعدد ضحايا «المسيرة الكبرى» يراوح بين 30 و50 مليونا. وكذلك عدد ضحايا المسيرة اللينينية. وكل ذلك وفقا للقانون وبموجب احكام يصدرها «قضاة». ومعروف في مرحلة من مراحل العالم العربي، ان ملفات المعدومين ومحاكماتهم كانت تعد بعد تنفيذ الحكم بأيام طويلة. وكانت تختلط التهم المزيفة والملفات واحيانا يموت «المحكوم» دون اسم او ملف او سؤال.

استدعاء شيرين عبادي الى المثول امام القضاء الايراني جاء متأخرا قليلا. فلماذا لم نسمع كلمة واحدة عن استدعاء قتلة الصحافيين والفنانين؟ ولماذا لم نسمع شيئا عن عشرات الجرائم «الغامضة» التي دفنت في غموضها؟ وما هو الذنب الذي يمكن ان ترتكبه حاملة نوبل للسلام، بحيث يستدعي حضور سيدة مثلها امام قاض ومُباشِر ومجموعة من الرجال الذين تسبقهم الى القوس قناعاتهم واهواؤهم واوامرهم وعلاقتهم بالسلطة السياسية؟ ومن يستطيع اقناع العالم بان شيرين عبادي، المرأة المعزولة، مذنبة بأي تهمة وان قضاتها ابرياء؟

تطلب شيرين عبادي للمثول امام القضاء في حين ان هذا القضاء لم يكشف الى الآن ظروف مقتل الصحافية الايرانية الكندية خلال التحقيق او الاعتقال، او ظروف اغتيال عشرات الصحافيين المنتمين الى الحركة الاصلاحية التي تزعمها ذات مرحلة الرئيس محمد خاتمي. وهي حركة لم يبق منها الكثير في أي حال. ولا هي عادت همّا من هموم السيد خاتمي كما هو واضح، منذ ان خسر ايضا المعركة البرلمانية قبل عامين. وقد التقيت في قرطبة الصيف الماضي مساعده المستقيل الدكتور محمد ابطحي وسألته ضاحكا: ماذا حدث؟ وضحك بدوره ورفع يديه مفتوحتين في الهواء، بما معناه ان الذي حدث هو ما نراه.